Date : 23,11,2024, Time : 02:14:22 PM
11547 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الاثنين 17 صفر 1437هـ - 30 نوفمبر 2015م 01:30 ص

الدول العربية وامتحان التاريخ

الدول العربية وامتحان التاريخ

بدأ ينكشف أن القرن الواحد والعشرين مليء بالكوارث بالنسبة للعالم العربي. قوى قبلية وعرقية ومحلية، دينية وغيرها تحارب السلطات وتحارب بعضها البعض. الدول تفقد وحدتها بل وتتفكك، الشرخ التاريخي بين السنة والشيعة يعود ليقسم العرب وقوات الإسلام الجهادية تتعزز في أراضي الدول العربية. اضافة إلى النقاش التفصيلي لهذه الظواهر، فان السؤال هو ما هي تأثيراتها على التاريخ الواسع ودخول الدول العربية إلى الحقبة العصرية.
منذ دخول العالم الغربي إلى داخل العالم العربي الإسلامي قبل 200 سنة. قض مضاجع العرب سؤال لماذا هم، حاملي ميراث الحضارة والتقدم، يجدون أنفسهم في مكانة دون. وكيف يمكن أن يصبحوا مثل الدول المتطورة.
ومن اجل تحقيق هذا الهدف كان عليهم مواجهة اربعة تحديات: الاول، انشاء دول سيادية مع اجهزة ومؤسسات ناجعة تعتمد على المواطنين الذين يشاركون فيها. الثاني، تطوير قدرات انتاجية تكنولوجية من اجل المنافسة على المستوى الدولي من ناحية اقتصادية. الثالث، وضع الإسلام في اطار يغذي المجتمع بالقيم مثل الهوية والتضامن وفي نفس الوقت تحييد القوات العنيفة التي تسعى للعودة إلى الوراء. الرابع، التخلص من تأثيرات الكولونيالية الغربية والعمل في الساحة الدولية كلاعبين مستقلين.
هذه الامور أصبحت ذات صلة حينما حصلت الدول العربية على الاستقلال في منتصف القرن العشرين تقريبا، حيث بدا في حينه أن تحقيق هذه التحديات الاربعة قد بدأ، وصعدت إلى الحكم في عدد من الدول العربية أنظمة انقلابية هي الناصرية والبعثية التي أخذت هذه المهمات على عاتقها. فقد قامت هذه الانظمة بتقوية اجهزة الدولة واقامة المؤسسات الرسمية وتفعيل مؤسسات خدماتية وتعليمية من اجل زيادة حاجة الفرد للدولة. وقد قاموا بتأميم الانتاج وانشأوا المصانع وأرسلوا الكثيرين إلى الجامعات على أمل إحداث التقدم العلمي والتكنولوجي في بلادهم. وأطلقوا على ذلك اسم «الاشتراكية العربية». وتم تبني الإسلام في المجال الرمزي والكلامي. كانت هذه الانظمة علمانية وقامت بقمع الحركات الإسلامية وقضت على المرتكزات العسكرية الاجنبية ورفضت المظلات الاستراتيجية الاجنبية مثل «حلف بغداد». كان الهدف هو الدخول إلى الساحة الدولية كقوة عالمية، كجسم أفروآسيوي، وأطلقوا على هذه الظاهرة «الحياد الايجابي» أو عدم الانحياز.
الواقع العربي في الوقت الحالي مختلف كثيرا. خطأ الباحثين الرئيس هو أنهم آمنوا بـ «صحيح أن المجتمع ضعيف في منطقتنا، لكن الدولة قوية». وقد اتضح أن الاجهزة القمعية والاستخبارات لا تعكس الحصانة، بل العكس. وحينما جاءت الهزات الكبيرة انطلقت قوى لا تعود للدولة، كان الجميع يعتقدون أنها تلاشت في ظل الدولة العصرية. فسقطت بعض الدول واخرى تصارع على بقائها واستقرارها.
من زاوية النظر الآن يصعب تفسير هذه الظاهرة. يبدو أن الدول العربية كانت كيانات فارغة. واطار الفهم لها كان ضعيفا، ولدت هذه الدول في العصر الحديث وكان ينقصها الاسم ـ لأن هذه الكيانات لم تكن قائمة في الماضي. تم أخذ كلمة «دولة» من القاموس. ومفهوم دولة أشار في الأصل إلى السلالات الصاعدة والهابطة، أي السلطة. واستمرت اجزاء كبيرة من المجتمع تتعاطى مع الدولة على أنها مماثلة للسلطة، وتُجذر الفهم أنه حين يسقط النظام فان الدولة تسقط.
لم يتم التعاطي في الغرب على أنه إذا سقط النظام فان الدولة ستسقط، بل ذلك سيقود إلى اقامة نظام ديمقراطي بدلا من النظام القمعي. لكن التجربة الصعبة أظهرت أن اسقاط النظام يُسقط الاطار نفسه وبديل ذلك هو الفوضى. هذه ايضا هي جذور فشل شباب «الربيع العربي»، حيث تبين أنه يمكن اسقاط النظام القمعي لكن ليس هناك بنية مناسبة، من الناحية الاصطلاحية والمؤسساتية، من اجل اقامة نظام ديمقراطي، ولا مناص من الاستنتاج أنه في هذه المرحلة فان معظم الدول العربية قادرة على الاستمرار وبنوع من الاستقرار فقط تحت انظمة قمعية ديكتاتورية. ومهمة انشاء دول حسب النموذج الغربي المتطور ما زالت غير قابلة للتحقق.
اخفاقات مشابهة كانت ايضا في الاقتصاد. صحيح أنه حدثت عمليات تطوير في الدول العربية أدت في العقود الاخيرة إلى نمو اقتصادي واضح، وبعضها أصبحت غنية جدا (قطر هي الدولة الاغنى في العالم من حيث مستوى المعيشة للفرد، والكويت تأتي في المكان السابع).
لكن العملة الاجنبية المطلوبة من اجل استيراد الطعام والحاجات الحيوية تم الحصول عليها من المصادر الطبيعية مثل السياحة والعمال الذين يعملون في الخارج، وفي حالة مصر ـ قناة السويس. في الاسواق العالمية لا توجد تقريبا منتجات من صنع عربي. والمقارنة بين مصر وكوريا الجنوبية تؤكد ذلك. فعلى العكس من مصر، كوريا الجنوبية تقوم بتصدير كل شيء الآن، من التكنولوجيا العالية وحتى السيارات والسفن. واقتصادها أكبر من الاقتصاد المصري بخمسة اضعاف.
النمو السريع للاقتصاد العالمي يعتمد على المعرفة، والدول التي لا تملك المعرفة تبقى في الخلف، وفي معظم الدول العربية فان المعارف المطلوبة من اجل الانتاج ليست بالمستوى المطلوب. تقرير الأمم المتحدة حول «التطور الانساني العربي» من عام 2002 أطلق على ذلك اسم «عجز المعرفة»، الامر الذي هو سبب من ثلاثة اسباب للتخلف العربي. المعرفة في الوطن العربي غير كافية لأن المدارس والجامعات لا تكفي وما زال التعليم فيها يعتمد اسلوب التلقين.
العجز في المعرفة ينبع ايضا من عدم الانفتاح على العالم بشكل كبير، نسبة الترجمة في العالم العربي قليلة جدا. فقد وجد تقرير الأمم المتحدة من العام 2003 أن رقم الترجمة في العالم العربي للشخص الواحد خلال السنوات الخمسة الاخيرة من نهاية القرن العشرين كان 4.4 مقابل 519 في هنغاريا أو 920 في فرنسا.
حتى لو قامت جهات عربية بالانفتاح على العالم وقامت باستيراد التكنولوجيا ـ فان الفائدة محدودة. التكنولوجيا العالمية تصبح قديمة بسرعة إلى درجة أن من لا يشارك في انتاجها لا يمكنه المنافسة بشكل فعال. يوجد اليوم وزن حاسم للتجدد والابداع، لكن هذه المميزات نادرة في العالم العربي. دول الخليج ايضا التي تبدو شكليا وكأنها دول عصرية ومتطورة ما هي إلا مستهلكة لانتاج العالم المتطور ولا تشارك في الانتاج. وحسب نفس التقرير فان جميع الدول العربية قد سجلت في الولايات المتحدة 370 اختراع فقط بين السنوات 1980 ـ 2000 في الوقت الذي سجل فيه الإسرائيليون 7.700 اختراع والكوريون الجنوبيون 16.300 اختراع. عدد الباحثين لكل مليون شخص في العالم العربي هو 300 في حين أن المتوسط العالمي هو 900، أي ثلاثة اضعاف. ونتيجة لذلك فان نسبة البطالة في الدول العربية هي الأعلى في العالم حيث تبلغ 30 ـ 50 بالمئة.
إن وضع الإسلام في اطار معين لم ينجح في العالم العربي، حيث أن القوات الإسلامية لم يتم كبحها، رغم الجهود الكثيرة التي بذلت لذلك. جمال عبد الناصر وضع في السجون الآلاف من اعضاء الاخوان المسلمين. حافظ الاسد ارتكب مجزرة ضدهم في حماة. الجيش الجزائري شن حرب دموية على الإسلاميين ونفس الامر في دول اخرى. مقارنة خارطة الاسلمة بين نهاية القرن العشرين وبين اليوم تكشف عن زيادة كبيرة. ففي عام 2000 كان الإسلاميون مجرد مجموعات صغيرة وسرية، نشاطها محدود. أما في عام 2015 فهي قوات مقاتلة ومسلحة بأسلحة متطورة ومحصنة في مناطق واسعة في العالم العربي.
وهم لا يشكلون خطرا على السلطات المحلية فقط، بل ايضا على القوات الاجنبية التي تؤيدها. في الـ 15 سنة الاخيرة تم تنفيذ عمليات كبيرة لم يكن لها مثيل في الماضي، عمليات 11 ايلول وحتى العمليات الاخيرة في باريس.
وفي الـ 5 سنوات الاخيرة بالتحديد زاد عدد القتلى بسبب العمليات الإسلامية في عدد من الدول، واحيانا كان ذلك عشرة اضعاف مقارنة بالسنوات السابقة.
يبدو أن الفشل في مواجهة الأسلمة ينبع من أن مواجهتها كانت بالقوة فقط. لم يتم اعطاء الاهتمام بأن الأسلمة ليست إرهاب فقط بل هي تمثل أولا وقبل كل شيء فكرة، حيث أنه في ظروف الازمة في المنطقة فانها عامل جذب للكثير من المسلمين. وقد فشلت الدول في طرح فكرة مقابلة رغم أن هذه الفكرة كانت جاهزة: في النصف الاول من القرن العشرين ظهرت في اوساط المسلمين تيارات ليبرالية قامت بالفصل بين الدين والدولة وكان فيها كثير من المثقفين. إلا أن الانظمة في الدول العربية رفضت هذا الخيار واتخذت طريقا وسطا حيث تم دمج نواقص كل الخيارات. لم يوجد في الدول العربية زعيم يستطيع أن يُحدث بشجاعة الانقلاب المطلوب لكبح الإسلام وانشاء نظام مستقر يتقدم مع الوقت.
لم تتحقق ايضا طموحات جيل الاستقلال الاول وهي منع وجود فراغ بعد انسحاب الكولونيالية. اشارة اولى للفشل ظهرت في عهد عبد الناصر الذي تحول إلى بطل العالم العربي حينما طرد 10 آلاف بريطاني من مصر، لكنه جلب بدلا منهم 20 ألفا من الاتحاد السوفييتي (الذين طردهم السادات). التحول الواضح حدث في حرب الخليج الاولى حينما حاربت الجيوش العربية في اطار تحالف برئاسة الولايات المتحدة ضد زعيم عربي كان «السور العربي الواقي» في مواجهة إيران. هكذا استمر الامر: قوات الناتو أسقطت معمر القذافي في ليبيا والإيرانيون دخلوا إلى العراق وسوريا، ويعبر الاتراك من الشمال، ويتدخل الروس في الحرب إلى جانب الاسد وفرنسا تطلب من دول الاتحاد الاوروبي المساعدة في الحرب ضد داعش والقوات الأمريكية التي انسحبت من المنطقة عادت اليها في العراق وسوريا.
في مقالة نشرت في الايكونوميست في 5/7/2014 حول العالم العربي يشتكي الكاتب من أن «الحضارة التي قادت العالم ذات مرة متحطمة الآن». وهو يقول إن العرب يعانون من اندثار حضارتهم. هذه الامور ذكرتني بنجيب محفوظ الذي كان من اوائل المؤيدين للمصالحة مع إسرائيل حيث قال إن السلام مطلوب «من اجل اعادة احياء الحضارة». لا شك أن التطورات في المنطقة تؤثر على إسرائيل، وسيكون من الخطأ الشماتة بجيراننا والتفاخر بـ «الفيلا في الغابة». فحدودنا ليست محصنة أمام العنف الذي ينتشر حولنا وسلامة جيراننا متعلقة بسلامتنا.

(المصدر: هآرتس 2015-11-29)




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :

اضف تعليق

يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد