الرسوم على الأراضي البيضاء وحدها لا تكفي
مثلما رأينا فإنه لم تمض سوى فترة قصيرة على إقرار مجلس الشورى للرسوم على الأراضي البيضاء حتى صدر قرار مجلس الوزراء بفرض رسوم على تلك الأراضي نسبتها 2.5%. الأمر الذي يعكس مدى الاهتمام الذي توليه السلطتين التشريعية والتنفيذية لهذا الامر. وعلى وجه الخصوص مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي اضطلع بدور كبير في إنجاز هذا الملف. ولهذا يمكننا أن نتفاءل بأن الانسدادات التي تعترض حل أزمة الإسكان في المملكة سوف تجد لنفسها، شأنها شأن الأراضي البيضاء، طريق سريع للحل.
بالفعل فإن الأراضي البيضاء ليست كل المشكلة وإنما جزء منها. فأزمة الإسكان في المملكة لا يمكن اختصارها في الأراضي البيضاء وحدها- هذه الأراضي التي توسعت مع الزمن وتحولت من نتيجة إلى سبب. فأزمة الإسكان مثلما نعلم قد سبقت ظهور الأراضي البيضاء. بل إن هذه الأراضي ما كان لها أن توجد لولا سوء التخطيط العمراني من ناحية وقصور التشريعات والأنظمة والقوانين التي تنظم النشاط في القطاع العقاري من ناحية أخرى.
وانا قد سبق وأن أشرت في بعض مقالاتي إلى أن التشريعات والقوانين المعمول بها فيما مضى- أي قبل أن يقر مجلس الشورى نظامي الرهن العقاري والإيجار التمويلي- كانت معيقة لحل أزمة الإسكان، هذا إذا لم نقل انها إحدى أسباب استفحالها. فلعدة عقود لم يكن المجال مفتوحا أمام الشركات العقارية بالعمل وفقاً للإجراءات المتبعة في بقية البلدان. فحل مشكلة الإسكان في كافة أنحاء العالم تتم، مثلما هو معروف، من خلال تمويل الراغبين في السكن للشركات العقارية على هيئة أقساط يدفعونها لها كل ثلاثة شهور وذلك حتى يتم الانتهاء من البناء وفقاً لطريقة تسليم المفتاح. ولهذا فإن غياب التشريعات المماثلة أدى إلى طرد الشركات العقارية الكبرى من السوق وفتح المجال لرؤوس الأموال الصغيرة لتحل محلها.
وفي ظل الفوضى العمرانية صارت العقارات تتوسع أفقياً لا عمودياً. فبدل عمارات السكن الراقية حلت محلها عمارات الطابقين سيئة التخطيط والمواصفات. الأمر الذي أدى إلى تشوه مدننا من جهة وشجع على تملك الأراضي البيضاء ضمن النطاق العمراني من جهة أخرى. فالأراضي، وخاصة في المدن الكبرى، يفترض أن يتم تخطيط بنائها وفقاً لهندسة معمارية وحضرية مسبقة، حتى تكون البنايات التي سوف تقوم عليها متناسقة مع بعضها لتعطي تلك المدن المنظر والتناسق المطلوبين. فمدننا لو بنيت وفقاً لتلك الأسس لما تحولت الأراضي البيضاء إلى مشكلة ربما. فعرض الأراضي وفقاً للنموذج العمودي سوف يكون كافياً لتلبية الطلب أو جله.
من ناحية أخرى فإن مشكلة التمويل ما لم يتم حلها فإن أي نموذج للبناء، مهما كان شكله، لن يكون قادراً على حل أزمة السكن المستعصية. ولذلك فإن هناك من يرى أن الأمر ربما يتطلب التعامل مع الشأن العقاري على نحو مماثل لما هو عليه الحال في البنوك. وعلى هذا الأساس يفترضون أن الشركات العقارية يمكنها أن تعمل بمعايير التمويل الدولية على أن تكون لديها نوافذ تتوافق واحكام الشريعة. وهم ينطلقون من قاعدة للضرورة أحكام.
(المصدر: الرياض 2015-11-28)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews