بعد مرور مائة عام على إعلان النسبية العامة: قمر صناعي ينطلق إلى الفضاء لقياس «موجات الجاذبية»
جي بي سي نيوز-: يشهد الأسبوع القادم مرور 100 عام كاملة على إعلان العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين عن نظريته النسبية العامة التي غيرت وجه الفيزياء ونظرتنا للكون إلى الأبد.
بهذه المناسبة سيقوم العلماء بإطلاق مسبار للفضاء الخارجي بهدف محاولة استكشاف مدى دقة نبوءات النظرية النسبية العامة التي لم يتم إثباتها علميًّا بعد.
(1) موجات الجاذبية
هي ظاهرة تنبأت بوجودها النظرية النسبية العامة لأينشتاين. هذه الموجات عبارة عن نوع من الأمواج ينتج عن الأجسام الفيزيائية المتسارعة. هذه الموجات هي نوع من أنواع المواجات المستعرضة والتي يكون فيها اهتزاز الموجات في نفس اتجاه انتشار الموجة، هذه الموجات تحمل طاقة معينة تنتقل عبر ما يسمى الزمكان.
تقول النظرية النسبية العامة أن كل جسم له كتلة يسبب تغيرًا أو تشوهًا فيما يسمى الزمكان (وهو مصطلح خاص ظهر مع النظرية النسبية ويمثل دمجًا للأبعاد الفيزيائية الثلاثة المعروفة، الطول والعرض والارتفاع، مع بعد رابع يتمثل في الزمن)، هذا التشوه يكون في صورة تمدد وانكماش متتابع، وبالتالي فإن الأجسام يمكنها أن تحدث اهتزازات في الزمكان تسمى موجات الجاذبية أو الأمواج الثقالية.
في الفيزياء الكلاسيكية، تعرف الجاذبية على أنها “ميل الأجسام للتحرك والانجذاب نحو بعضها” وبالتالي فهي قوى تنشأ بين الأجسام بحيث يحاول كل جسم جذب الأجسام التي حوله، هذه القوى مصدرها وزن الجسم نفسه، هذا التعريف جاء بناءً على ما نشره العالم الفيزيائي إسحق نيوتن من نظريات كان من بينها النظرية التي تنص على أن “الأجسام تجذب بعضها البعض طبقًا لكتلتها، وتعتمد قوة الجاذبية على مربع المسافة بين الجسمين المتجاذبين”.
لكن النظرية النسبية غيرت هذا المفهوم لتتحول الجاذبية من “قوة” إلى “مجال”، ولتصبح الجاذبية عبارة عن انحناءات في الفراغ تتسبب بها الكتلة، وكلما كانت الكتلة أكبر كانت الانحناءات أكبر وبالتالي تسهل عملية جذب الأجسام المحيطة في مجال الانحناءات باتجاه الكتلة الأصلية.
حسب النظرية النسبية العامة فإن هذه الموجات هي أمواج ضعيفة جدًّا وبالتالي يصعب قياسها. على سبيل المثال، فإن حركة الأرض حول الشمس ينتج عنها موجات جاذبية تعادل في طاقتها 2000 واط تقريبًا، وهي طاقة قليلة جدًا بالنسبة لطاقات الشمس والأرض.
ويعتقد العلماء أن موجات الجاذبية تم القذف بها عبر الفضاء عندما وجدت النجوم وبدأت كتلتها وثقلها تؤثر على الفضاء المحيط بها، من بين الأمثلة على ذلك فإنه عند انهيار النجوم وتحولها لثقوب سوداء أو عندما يبدأ نجمان نيوترونيان ذوا كثافة فائقة في الدوران السريع والاقتراب من بعضهما فإن هذه العمليات تقوم بوضع ضغوط هائلة على نسيج الزمكان وتتسبب في تمدده مما يؤدي إلى إشعاع طاقة الجاذبية عبر الكون.
وكان عالما الفلك الأمريكيان جوزيف تايلور وراسل هالس قدما أدلة في ثمانينات القرن الماضي تدعم وجود موجات الجاذبية. العالمان أشارا إلى نجم نيوتروني يعرف باسم “هاسل تايلور” كان جزءًا من نظام شمسي ثنائي وأن مداره قد تآكل بمعدل ثابت بالتزامن مع ضخه لموجات الجاذبية، وقد نال العالمان جائزة نوبل على اكتشافهما هذا.
(2) صعوبة الرصد
هناك عدة اعتبارات تجعل من الصعوبة الكشف عن هذا النوع من الموجات، أول هذه الاعتبارات يكمن في أن تمدد وانكماش المسافة يحدث في جميع الأجسام التي تتعرض للموجة. من هنا فلا بد من حل هذه الإشكالية عبر اعتبار اتجاهات متعامدة أو اتجاهات يكون فيها جزء من الآلة المخصصة لرصد الموجة غير خاضع لعملية التمدد والانكماش التي تسببها الموجة، وإلا فإن آلة الرصد لن تجد شيئًا لأنها تتحركة بنفس طريقة حركة الأجسام حولها.
الاعتبار الثاني يتمثل في صغر هذه الموجات، هذا الأمر يجعلنا لا نفرق بين الاهتزازت الناتجة عن تشوشات مثل موجات الزلازل الصغيرة، أو موجات بعيدة مثل تلك الناتجة عن تأثير القمر على الأرض من اهتزازات موجات الجاذبية، لهذا فإنه في المختبرات يتم استخدام أجهزة معينة تتخلص من أي موجات تشويشية، لكنها أيضًا لا يمكنها إخماد كل التشويش بشكل كامل بحيث يمكن رصد موجة جاذبية عالية التردد.
ما يزيد الموضوع تعقيدًا هو أن كل موجات الجاذبية التي يمكن رصدها على الأرض هي موجات ذات ترددات صغيرة، لذلك فإنه لم تتم أي عملية رصد مباشر لموجات جاذبية على سطح الأرض، هذا الأمر جعل هذه الفرضية هي آخر فرضية من فرضيات النظرية النسبية التي لم يتم إثباتها عمليًّا حتى يومنا هذا.
ومن المفترض نظريًا أن يتم قياس ورصد موجات الجاذبية باعتماد التردد الذاتي ويعتمد على عملية الرنين المفترض أن يحدثها مرور موجة الجاذبية بأجسام ذات كتلة كبيرة مثل أسطوانات معينة، ويتم استخدام جهاز معين لمحاولة قياس هذه الموجة عبارة عن ذراعان طويلتان موضوعان بزاوية معينة لكل منهما ويمتدان من نقطة مركزية مشتركة، فعندما تضرب موجة جاذبية فمن المفترض أن تتقلص إحدى الذراعين وأن تتمدد الأخرى قليلًا فيتم بالتالي قياس الموجة. المشكلة هنا أن التغيرالذي سيحدث نتيجة التمدد أو التقلص سيكون فقط بضعة مئات من مليارات المليارات من المتر، وهو ما يستحيل قياسه عمليًا.
(3) المشروع ليزا
في تمام الساعة الرابعة والربع صباحًا يوم الثاني من ديسمبر القادم سينطلق للفضاء القمر الصناعي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية والمعروف باسم “ليزا باثفايندر”. سينطلق هذا القمر الصناعي إلى مداره المحدد مسبقًا في الفضاء حاملًا معدات سيتم اختبارها كمكونات لمرصد فضائي مستقبلي لموجات الجاذبية.
هذا القمر هو جزء من مشروع فضائي عرف باسم “ليزا” لكنه الان يعرف باسم “eLISA” والهدف منه هو رصد موجات الجاذبية. الرصد سيتم عبر وضع مجسات في مدار حول الأرض على بعد مليون كيلومتر عن بعضها مما سيمكن من رصد عمليات التمدد والانكماش بصورة أفضل، خصوصًا وأنه سيتم الرصد في هذه الحالة عبر التداخل الليزري الذي يعطي دقة أكبر لكنه يعاني من نفس نقائص طريقة التردد الذاتي والخاصة بالتشويشات الموجودة على سطح الأرض.
فكرة هذا المشروع تتمركز حول تكوين مجموعة من ثلاثة أقمار صناعية يتم ترتيبها على هيئة مثلث متساوي الأضلاع بطول مليون كيلومتر للضلع الواحد، ويتم رصد المسافة بين هذه الأقمار بدقة للكشف عن مرور موجات الجاذبية.
(4) النسبية
أحدثت النظرية النسبية تغيرًا ثوريًّا في مفهومنا للمكان والزمان والكتلة والطاقة. قامت هذه النظرية بتعديل الأسس النظرية لميكانيكا نيوتن التي ظلت قائمة كمسلمة مقدسة طوال 200 عام.
هذه النظرية نصت على أن كل الحركة نسبية، وتغير مفهوم الزمن من كونه مطلقًا ويسير دائمًا للأمام إلى كونه بعد رابع نسبي ومجدته مع أبعاد المكان الثلاثة ليصبحا شيئًا واحدًا وليس شيئين مختلفين. هذه النظرية جعلت مفهوم الزمن يتوقف على سرعة الأجسام، فكلما زادت السرعة تقلص الزمن، ومن هنا أصبح تقلص وتمدد الزمن مفهومًا أساسيًّا لفهم الكون.
ومن بين تطبيقات النظرية النسبية كان نظام الملاحة العالمي “GPS”.
ويذكر أن النظرية النسبية هي نظرية بناها العالم أينشتاين طبقًا لإثباتات رياضية فقط دون أي تجارب عملية، بمعنى آخر فإن هذه النظرية التي أذهلت العالم ولاتزال قد تم استنتاجها عبر المعادلات الرياضية لا غير، من هنا فإن كثيرًا من العماء بدأوا في إجراء التجارب محاولين إثبات ما توصل إليه أينشتاين بشكل عملي.
من بين التجارب الكلاسيكية التي أثبتت فرضيات النظرية النسبية كان تحديد مدار كوكب عطارد، وانحراف الضوء من الشمس، إزاحة الجاذبية نحو الضوء الأحمر، وهناك تجارب أخرى مثل مبدأ التكافؤ وإطار السحب.
من بين الإثباتات المميزة لإحدى فرضيات النظرية النسبية كان موضوع انحراف الضوء بواسطة الشمس، فطبقًا لنظريات النسبية المعتادة وما قام به علماء سابقون بالإضافة لأينشتاين نفسه في البداية فإنه لابد أن ينحني الضوء عند مروره بجسم كبير مثل الشمس نتيجة لتأثير الجاذبية، لكن قياسات هؤلاء كانت تحمل نصف الحقيقة فقط، أينشتاين عاد عام 1915 ليحسب القيمة الحقيقية لانحناء الضوء حول الأجسام الكبيرة.
عام 1919 قام العالم أرثر إدينغتون بأولى التجارب التي من المفترض أن تثبت ما ذهب إليه أينشتاين، ولأن نظرية أينشتاين تقول إن الضوء ينحني بقياس معين حول الأجسام الكبيرة مثل الشمس فإنه من المفترض أن تتم مشاهدة النجوم الموجودة بجوار الشمس عند حدوث كسوف، ومن خلال مراقبته لكسوف شمسي تمكن إدينغتون بالفعل من مشاهدة هذه النجوم ورصدها بنمط أثبت معه ما ذهب إليه أينشتاين في نظريته.
هذه التجربة ونتائجها احتلت صدارة الصحف حول العالم ووضعت أينشتاين في مكانة كبيرة بين صفوة العلماء، وقد تم سرد هذه القصة من خلال عمل فني وتحديدًا في فيلم “أينشتاين وإدينغتون” في إطار التكامل بين النظري والتجريبي.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews