ماذا بعد تفجيرات باريس؟
بصرف النظر عن توصيف موجة الإرهاب التي ضربت باريس بغيرها، وبخاصة 11 سبتمبر/ أيلول 2001، ثمة جملة تداعيات ربما ستتطابق مع ما تلا من أحداث خلال العقد الماضي، ولن تكون مؤثراته بعيدة لعقود قادمة. وما يعزز تلك الفرضيات ما يعيشه العالم اليوم، من رعب الأعمال الإرهابية التي لم يعد بالإمكان السيطرة عليها، إن لم يكن القضاء عليها، إلا عبر جهود مغايرة للتي سبقتها، وهو أمر غير متوفر حتى الآن.
لقد خلط الإرهاب في باريس العديد من الأوراق المتصلة بكيفية مواجهة الإرهاب، فعلى الرغم من الإجماع الدولي، ثمة تباين يمكن أن يصل إلى حد الافتراق، وضياع الفرصة المتاحة للقضاء على الجماعات الإرهابية التي لم يعد وجودها أو عملها مقتصر على منطقة أو دولة أو نطاق محدّد. ثمة حلفان يعملان على خطين غير متطابقين، الأول روسي والثاني دولي، بلبوس أمريكي - أطلسي، وما يعزز التباين مثلاً، المشروعان الروسي والفرنسي في مجلس الأمن، فرغم تطابق الأهداف، ثمة تباين في الوسائل والأدوات، وفي كلتي الحالتين، يدرك الطرفان، أن لا حل أمنياً أو عسكرياً للأزمات المولِّدة للأعمال الإرهابية، ومنها السورية، ورغم ذلك ثمة تباعد من الصعب ردمه أو تحقيق خروق سريعة في وسائل الحل.
ففي وقت ظهر بعض التقدم في مؤتمر فيينا الأخير، تكوّنت جملة معطيات جديدة، ستسهم في إعادة الأمور إلى المربع الأول. فماذا يعني ذلك؟
مع اختلاف بعض الظروف والوقائع، ثمة تشابه بين الحالة الليبية، والحالة السورية، لجهة ما يمكن أن تصل بها الأمور لاحقاً. تدخل قوات الأطلسي في الأزمة الليبية عبر القرار 1973، وحدث ما حدث، من تمزق ليبيا، وتحوّلها إلى مشاعات إرهابية لا سابق لها، بل باتت بؤرة ومركزاً للإرهاب في إفريقيا ومنطلقاً حتى إلى قارات أخرى. اليوم سوريا وبواسطة ما يجري فيها وحولها، بؤرة يتم تصدير الإرهابيين إليها، ويعاد تدوير أفعال هذه الجماعات بإعادة تصديرها إلى غير دولة، ومنها الدول الأوروبية، وبخاصة عبر موجات اللاجئين غير البريئة التي تم تسهيل عبورها مؤخراً.
الأزمة السورية اليوم، بوقائعها ومعطياتها الجارية حالياً، باتت أكثر قبولاً وتهيؤاً لنزوع الدول الأوروبية إلى استعمال المادة الخامسة من ميثاق حلف الأطلسي، التي تدعو إلى استعمال القوة العسكرية لمساعدة أي عضو يتعرّض لخطر أو اعتداء. وهي إمكانية قائمة، طالما لم يتم التوصّل إلى حل ليس دولي فقط، وإنما عالمي لاجتثاث الإرهاب بوصفه، فعلاً يهدّد الإنسانية، بصرف النظر عن تنوّع وتعدّد الثقافات والحضارات.
وما يعزّز فرضية التدخلات العسكرية الميدانية المباشرة، أنها تنطلق من مبدأ استراتيجي في علم الحروب، هو وجوب توفّر القدرة على امتلاك ميدان الأرض، قبل الجو والبحر، وأي مكان آخر، وهو أمرٌ متعذّرٌ أيضاً، في الحالة السورية حتى الآن، فالضربات الجوية التي زاد عمرها على السنة أطلسياً، والشهرين روسياً، لم تبدّل كثيراً في واقع الأزمة، الأمر الذي يعزّز فرضية التدخّل الميداني، وهو أمر بالطبع ليس مرغوباً فيه، لا روسياً ولا أطلسياً من حيث المبدأ.
وربما هنا يكمن الخوف من تشّعب متطلبات حل الأزمة السورية وملفاتها الإقليمية - الفرعية، ما تصبح عبئاً كبيراً على الأطراف المتدخّلة، وبالتالي يسهل الاتفاق على حل يكون عليها وليس لها. فالتدقيق في التاريخ الحديث والمعاصر، يظهر الكثير من الحالات التي جرى الاتفاق على حلول لم تكن يوماً إلا لمصلحة المتدخّلين فيها، وبخاصة تلك الأزمات التي تقع جغرافيتها السياسية في مناطق حساسة كالشرق الأوسط.
في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، اسُتغل العمل الإرهابي لاحتلال أفغانستان ومن ثم العراق، الاحتلال لم يقضِ على إرهاب القاعدة، بل أسهم في خلق جينات إرهابية جديدة من نوع «القوارض» التي تعيث قتلاً وتدميراً للبشرية والإنسانية، فماذا ستكون عليها ارتدادات الزلزال الأوروبي؟ بالتأكيد أقلها ما يشبه الزلزال الأمريكي، إذا ظلت المعالجات كما هي.
المجتمع الدولي مطالب اليوم، ليس بمواجهة الإرهاب واجتثاثه، بل العمل على حماية الجنس البشري، من «القوارض» التي أسهمت بعض السياسات الدولية في إطلاقها ورعايتها واستثمارها في غير مكان من العالم، فهل تعي هذه القوى أن هذه «القوارض» باتت تسرح وتمرح في عِبها؟
(المصدر: الخليج 2015-11-23)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews