السعودية .. ودول مجموعة العشرين
اختتمت الأسبوع الماضي اجتماعات قمة مجموعة العشرين في أنطاليا (تركيا)، مجتمعة نتائجها وتوصياتها المشتركة حول العديد من القضايا، لعل من أبرزها التأكيد على الالتزام بتطبيق سياسيات مالية مرنة، تستهدف دعم واستدامة واتزان النمو الاقتصادي، وضرورة ترجمته بصورة حقيقة في اتجاه إيجاد الوظائف المنتجة، بما يسهم في تخفيض معدلات البطالة، واستيعاب أسواق العمل شرائح الشباب، وأن يعم نفعه جميع مكونات المجتمع، وبما يسهم أيضا في تخفيض تباين الدخل بين أفراد المجتمع.
كما اشتملت توصيات المجموعة على أهمية دعم الاستقرار المالي، بالدرجة التي تحد من مخاطر التدفقات المالية الدولية الضخمة، بالاعتماد على سياسات ملائمة، تكفل وجود ضمانات مالية عالمية كافية. والعمل المشترك والمستمر بين الدول لمواجهة أشكال الحماية الاقتصادية كافة، للحد من أضرارها على التجارة العالمية، التي لا يزال نموها أدنى مما كانت عليه قبل اشتعال الأزمة المالية العالمية نهاية 2008. واتفاق دول المجموعة على ضرورة العمل على تقوية المؤسسات المالية، بما يؤهلها لأن تكون أكثر قدرة على مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية المختلفة، ودعم استقرار النظام المالي للمحافظة على النمو والتنمية. أخيرا؛ اتفقت دول المجموعة لأجل تحقيق تلك الأهداف، على أهمية التزامها الفعلي على طريق بناء ثقافة عالمية لا تتسامح مع الفساد بأي شكل من أشكاله.
بدءا من أول اجتماع لقادة دول مجموعة العشرين في 2008، الذي استدعاه اشتعال الأزمة المالية العالمية آنذاك، وما تلاه من اجتماعات سنوية، والأزمات والتحديات العالمية المختلفة تتوالى، بل اتسعت دوائرها خارج التحديات الاقتصادية والمالية، لتمتد رغما عنها إلى تفاقم المخاطر السياسية، وتحديدا المتعلقة باتساع دوائر الإرهاب، التي وصلت حتى ما قبل انعقاد القمة الأخيرة إلى وسط دول الغرب (أحداث باريس).
فعلى الرغم من نجاح دول العشرين في الحد من آثار الأزمة المالية العالمية، وبعض النجاح إن وجد في التصدي للأزمات المالية التالية، خاصة في منطقة اليورو، إلا أن المساحات التي استدعت مبادرة دول العشرين ومعها المجتمع الدولي، للتصدي للمخاطر الأكبر وتحديدا المتمثلة في الإرهاب، وما نتج عنه من اشتعال الحروب الأهلية ضمن حدود العديد من الدول، وأهمها وأكثرها خطورة في سورية، وما نتج عنها من زيادة أعداد المهاجرين، إلى الدرجة التي وضعتها في مقدمة أكثر المخاطر المهددة ليس فقط للاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي، بل حتى تهدد الدائرة الأوسع والأعمق للاستقرار العالمي بأسره، ولتكون قاطعا للطريق المأمول نحو تحقيق الأهداف الاقتصادية والمالية لدول قمة العشرين، ومعها المجتمع الدولي، بمعنى أنه لا يمكن الوصول إلى تلك الأهداف المأمولة دون معالجة هذه المخاطر الوخيمة على المستوى السياسي، وتحديدا ضمن أطر مواجهة ومحاربة أشكال الإرهاب بمستوياته وأنواعه كافة.
لطالما ناشدت دول في مقدمتها المملكة العربية السعودية المجتمع الدولي، طوال الأعوام الماضية بالأهمية القصوى؛ أن تتركز الجهود الدولية على محاربة الإرهاب، والتحذير الشديد من خطورة التراخي أو التأخر عن المبادرة بالتصدي ومحاربة أشكال الإرهاب كافة في أي بقعة من العالم، وأن آثاره الخطيرة لن تقف أبدا عند المواقع الجغرافية المحدودة لتفجره واشتعال فتيله، بل ستمتد لتشمل دوائر أكبر وأوسع في ظل عدم القضاء عليها بصورة مبكرة، وقد حدث ذلك بالفعل، كما أثبتته أحداث باريس التي سبقت بدء انعقاد قمة العشرين الأخيرة بساعات!
على الرغم من التباعد الجغرافي لدول ومجتمعات العالم المعاصر، وأخذا بعين الاعتبار التفاوت بين درجة تقدم وقوة تلك الدول والمجتمعات على سطح الكرة الأرضية، إلا أن المخاطر والتحديات وحتى الفرص في عالم اليوم، الذي أصبح أكثر ترابطا بصورة لم يشهدها تاريخ البشرية، لم يعد يأخذ هذا التباعد أو التفاوت بعين الاعتبار، بل أصبحت الفرص والتحديات والمخاطر أكثر خضوعا لمنطق الترابط بين مختلف دول ومجتمعات العالم المعاصر، فكما أن النمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار الدوليين أكثر ارتباطا، فالحالة أكثر انطباقا على المخاطر، وفي مقدمتها الخطر الأكبر المتمثل في الإرهاب، وما ينتج عنه من مخاطر أخرى ذات علاقة.
ختاما؛ ثبت للمجتمع الدولي أن ما كانت المملكة العربية السعودية تحذر منه قد أصبح حقيقة واقعة أمام العالم، وأنه لا مفر من الهروب منه، وأنه لا بد من تكاتف الجهود الدولية وتركزها على مواجهته، وهو المنطق الواجب العمل به في إطار مواجهة المستقبل، بكل ما يحمله من فرص واعدة يرافقها في الوقت ذاته مخاطر وتحديات جسيمة، وأن لا مجال لأي عضو في المجتمع الدولي المعاصر، أن ينفرد في مواجهتها مهما كانت قوته أو قدرته، وهو ما أصبح، كما تشير توصيات ونتائج القمة الأخيرة، إحدى المسلّمات لدى دول المجموعة، ومعها المجتمع الدولي، وحتى موعد انعقاد القمة المقبلة في الصين 2016، سيكون قياس درجة نجاح المجتمع الدولي على هذا الطريق، هو أول المؤشرات التي سيتم فحصها لمعرفة هل تقدم العالم في هذا الطريق أم لا؟ والله ولي التوفيق.
(المصدر: الاقتصادية 2015-11-21)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews