شركات تتاجر بالدماء

تعقب وتجفيف مصادر تمويل إيران لعملائها في المنطقة والعالم عملية فائقة التعقيد. فملالي طهران أحكموا خطة اختراق البيئات التشريعية المتنوعة، كما استغلوا كثيرا من الثغرات القانونية التي تحكم الاستثمارات الأجنبية في عدد من دول المنطقة والعالم، والأهم من ذلك كله استغلوا صغر ودناءة أنفس عدد لا بأس به من رجال الأعمال والبنوك الذين لا هَمَّ لهم سوى امتلاء جيوبهم وأرصدتهم بالمال حتى لو أتى ذلك على حساب أرواح البشر ودمائهم. شركات ورقية، مسجلة في دول أوروبية وشرق أوسطية، يملكها رجال أعمال أوروبيون، ويديرها ويضخ الأموال فيها جهاز الاستخبارات الإيراني. شركات مسخ ملوثة بدماء الأبرياء، بعضها مسجل في دبي، وألمانيا وأخرى مسجلة في كرواتيا وجنوب إفريقيا وغيرها.. ومن خلال هذه الشركات تقوم إيران باختراق العقوبات الدولية، كما تقوم بتمويل عملائها بعد تفريخهم وحشو عقولهم الفارغة أساسا من أي قيمة إنسانية سوية، عقول خاوية من أي منطق سليم وأي قدرة سوية على التمييز، عقول فارغة يسهل برمجتها ومن ثم توجيهها، عقول لا تردد إلا ما يوجه به ملالي السوء في طهران.

فما أعلنته الخزانة الأمريكية قبل أسبوعين عن إخضاع 37 شركة تعمل كواجهة للحكومة الإيرانية، وما رافق هذا الإعلان من تفاصيل عمل هذه الشبكة، يأتي كتأكيد على أن الحكومة الإيرانية نجحت في اختراق أكثر البيئات التشريعية صرامة في العالم. إحدى هذه الشركات تحمل الجنسية الألمانية، ولا يوجد لها أي صلة ظاهرة مع النظام الإيراني المجرم، وهذه الشركة كانت قاب قوسين أو أدنى من الاستحواذ على أحد المصارف الألمانية وشركة تأمين تعمل وتنشط في أوروبا. شركة أخرى اتخذت من دبي مقرا لها ونشطت في تحويل الأموال لعدد من الشركات الألمانية الجنسية ــــ الإيرانية الإدارة. ومن الشركات أيضا، شركة كرواتية الجنسية كانت قد أبدت اهتمام بالاستحواذ على أحد المصارف في وسط أوروبا، وغيرها الكثير مما يفصل بيان الخزانة شرحها وبإسهاب.

ومما يلفت النظر في بيان الخزانة الأمريكية إشارته إلى أن هذه الشركات الواجهة تدار من شخصيات ذات أصول إيرانية، بمعنى مهاجرين إيرانيين في أوروبا ويحملون جوازات سفر أوروبية. وهذه نقطة مهمة يجب أن تأخذها في الحسبان تلك الدول التي تعاني الإرهاب الإيراني. فالتأكد من سلامة الإجراءات القانونية عند السماح للشركات الأجنبية بالعمل والتواجد لم تعد تكفي، خصوصا حين يتعلق الأمر بالشركات القادمة من أوروبا التي ثبت أن عددا منها يمارس أنشطة تمويلية قذرة في عدد من دول الخليج العربي، والأمثلة على ذلك كثيرة، وآخرها بيان الخزانة الأمريكية قبل أسبوعين. كما أنه من الضروري أن تقوم الدول التي تعاني الإرهاب الإيراني بعملية تدقيق شاملة لجميع الاستثمارات الأجنبية لمعرفة أصول ملاك هذه الشركات والتدقيق في خلفياتهم وتوجهاتهم. فالحرب العشواء والقذرة التي تشنها إيران تجعل من الواجب علينا الفحص والتمحيص وبدقة فائقة.

إن تفاصيل البيان الذي أصدرته الخزانة الأمريكية بخصوص الشركات ''المتعددة الجنسية'' التي تعمل كواجهة للحكومة الإرهابية في إيران، تأتي كتأكيد على أن الإجراءات القانونية المعتادة لم تعد تكفي لحماية مصالح الدول من الأموال والشركات الإيرانية القذرة. فنجاح ملالي البؤس في اختراق ألمانيا وجنوب إفريقيا وكرواتيا وعدد من دول الخليج العربي يأتي كتأكيد على أن الإجراءات القانونية المعتادة لا تكفي لصد المحاولات الإيرانية في تكوين مصادر تمويل لإرهابها وشرها في العالم والمنطقة. فالتأكد من خلفيات المستثمرين الأجانب أصبح ضرورة أمنية لصد الهجوم العدائي والإرهابي لإيران. وعلى جميع دول الخليج العربي إجراء مراجعة شاملة لجميع تصاريح الاستثمار الأجنبي للتأكد من خلفيات المستثمرين، فالتأكد من جنسياتهم وجوازات سفرهم لم تعد تكفي لصد المحاولات الإيرانية لاختراق الداخل الخليجي. وأنا شخصيا لا أشك أن مثل هذه المراجعات ستكشف مفاجآت كثيرة.

( المصدر : الاقتصادية السعودية )