ثمن قضايا الفساد في العالم المتقدم
يمر الاقتصاد الألماني وهو من أكبر الاقتصادات في العالم بحادثة فساد من أشنع حوادث الفساد التي تتعرض لها الشركات العالمية، فقد تعرضت شركة فولكسفاجن، وهي من أعرق شركات السيارات في العالم لحادثة فساد وضعت الشركة في وضع مالي مزر جدا، كما وضعت الاقتصاد الألماني في موقف حرج، ويقول الخبراء الألمان إن الاقتصاد الألماني سيعاني بسبب هذه الأزمة كثيرا جدا.
وقبل حادثة فولكسفاجن تعرض الاقتصاد الدولي عام 2008 لسلسلة حوادث سرقة وفساد مالي لعدد من المصارف والشركات في أماكن مختلفة من الدول الغربية، ما عرض اقتصادنا الدولي لعدد من الأزمات التي ما زال يعانيها حتى الآن.
وموضوع السطو والاختلاس في شركة فولكسفاجن ليس موضوعنا، ولكنه موضوع يفرض نفسه ونحن نتحدث عن السرقات التي تقوم بها المافيات الغربية وتنهش اقتصادنا الدولي.
طبعا جميع دول العالم تضار من عمليات الفساد والسرقات التي يتعرض لها الاقتصاد الدولي من عصابات المافيا التي وظفت نفسها لسرقة الشركات والمصارف، إما بالتلاعب في الحسابات، أو بالاختلاس الصريح وقيام كبار الموظفين بتوزيع المكافآت والهبات على أنفسهم بحجج واهية ومفتعلة.
ويجمع المفكرون الاقتصاديون على أن أسباب الأزمة المالية العالمية التي تعرض لها الاقتصاد الدولي عام 2008 جاءت نتيجة قيام لصوص الشركات بسرقة الأموال، وقيام لصوص المحاسبين القانونيين بالتلاعب في حسابات المصارف والشركات، وتمكين الفاسدين من الوصول إلى مكامن الأموال حتى أفلس أكبر المصارف والشركات، وسقطت مراكز المال في وول ستريت وغيرها من أسواق المال في العالم الغربي حتى عمت الأزمة كل أنحاء الاقتصاد العالمي.
والمؤسف أن المساءلات القانونية التي طالت كثيرا من لصوص المال في الدول الغنية، كانت ضعيفة وهزيلة للغاية، ولم تسفر هذه المساءلات عن حكم واحد بالسجن يدين لصا واحدا من أباطرة النهب الذين اندفعوا يسرقون وينهبون ويزورون، وكل الذي صدر تجاه اللصوص الكبار مجموعة من الغرامات التي لم تؤثر كثيرا في رؤوس أموالهم التي نهبوها بغير وجه حق.
لقد أصبح الإفلات من العقاب في الولايات المتحدة وأوروبا أمرا شائعا على نطاق واسع، بل إن أغلبية جرائم الشركات تمر دون عقاب، ولا سيما حينما أصبحت الشركات الكبرى شركات متعددة الجنسيات تتمتع بقوة مالية عاتية إلى حد تخشى الحكومات من أن تستخدم هذه الشركات أموالها لتدميرها أو حلحلة استقرارها، ناهيك إذا كان معظم السياسيين في أوروبا وأمريكا شركاء في ملكيات هذه الشركات، بمعنى هم والشركات يعبرون تعبيرا صارخا عن المثل الدارج في أسواق جدة العتيقة "البائع باخيضر والمشتري باخيضر"!
وإذا تفحصنا أعضاء البرلمانات الأوروبية وأيضا أعضاء الكونجرس الأمريكي، فسنجد أن عددا كبيرا منهم من كبار المساهمين في هذه الشركات، ولذلك فإن السياسيين كثيرا ما يتسامحون مع الشركات، حتى إذا حاولت الحكومات فرض العدالة، فإنها تحاول فرضها على استحياء، بينما تتقدم جيوش المحامين إلى مناصرة الفساد، باذلين الجهد كل الجهد للحيلولة دون تطبيق العدالة.
إن السرقات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي أدت إلى اتساع الفجوة بين طبقات المجتمعات في أوروبا وأمريكا، كما أدت إلى أضرار كبيرة طالت دول العالم الثالث، ولعلنا نلاحظ أن القواسم المشتركة بين الطبقات الوسطى في العواصم الأوروبية والأمريكية- رغم بُعد المسافات- هي أن أكثر ممثلي هذه الطبقات من الشباب وغالبيتهم من الطبقة الوسطى ومن الحاصلين على الشهادات الجامعية الذين يجدون صعوبة بالغة في الحصول على وظيفة يبنون بها حياتهم الطبيعية.
ولقد تعاطف الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع الشباب الأمريكي، وألمح إلى أن الفوارق بين الطبقات في المجتمع الأمريكي بلغت مستوى لم تشهده الولايات المتحدة إلا في الثلاثينيات إبان الكساد الكبير.
إن ما يعانيه الاقتصاد الدولي اليوم من أزمات، وبالذات في منطقة اليورو ومنطقة الدولار اللتين نشرتا بلاويهما في مجمل اقتصادنا الدولي هو حصيلة طبيعية لسرقات وفساد انتشر في أوصال الاقتصاد الغربي منذ شفاء الاقتصاد الدولي من أزمة الثلاثينيات التي عرفت باسم الكساد الكبير.
إن واجب الحكومة الألمانية أن تتخذ أشد العقوبات الكفيلة بمعاقبة الناهبين الذين تجرؤوا على أموال المساهمين الذين هم من الطبقة الوسطى ــ كما أشرنا ــ حتى لا يتكرر ما حدث لفولكسفاجن في شركات ألمانية أخرى، بل الخوف أن ينتشر الفساد في دول أوروبية أخرى، حيث إن الفساد كالسرطان يُسَمّع في أماكن مختلفة من دول الاتحاد الأوروبي.
وإذا لم تكن العقوبة رادعة وقاسية فإن احتمالات انتشار مرض الفساد في أوصال دول الاتحاد الأوروبي وارد للغاية، وفي النهاية فإن من يدفع الثمن هو الاقتصاد الدولي، وستعاني دول العالم الثالث من أمراض الاقتصاد الدولي ــ دون ذنب ارتكبته ــ أكثر من الدول الغنية. والخلاصة إن الاقتصاد الدولي تعرض لحوادث سرقة فاضحة من بعض أصحاب النفوس الضعيفة في الغرب، وإن مجموعة من الانتهازيين الغربيين ألحقوا أضرارا بالغة بالاقتصاد العالمي؛ وستؤدي هذه الأضرار والتشوهات ــ إن عاجلا أو آجلا ــ إلى زيادة الكراهية بين الطبقات، وتؤدي أيضا إلى سلسلة من الأزمات المالية التي قد تدفع جحافل الفقراء إلى الاقتصاص من لصوص الشركات والمصارف التي تختزن أموالهم وتحويشاتهم.
(المصدر: الاقتصادية 2015-11-15 )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews