Date : 23,11,2024, Time : 10:23:35 AM
20161 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الأحد 02 صفر 1437هـ - 15 نوفمبر 2015م 03:51 ص

للتمويل الإسلامي تكلفة غير منظورة

للتمويل الإسلامي تكلفة غير منظورة
حامد الحمود

استضافت الكويت الأسبوع الماضي المؤتمر العالمي للتمويل الإسلامي تحت شعار «تلبية الطموحات العالمية» بحضور مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد. ولعل الكويت هي من أنسب الدول لعقد مثل هذا المؤتمر، فالكويت رائدة في التمويل الإسلامي، حيث تأسس فيها ثاني بنك إسلامي، وذلك عندما صدر مرسوم بتأسيس بيت التمويل عام 1978. وبدأ أعماله عام 1979. ولم يسبقها في الريادة إلا دبي، التي احتفلت أخيراً بمرور 40 عاماً على تأسيس بنك دبي الإسلامي. هذا، وقد نمت الصناعة المصرفية الإسلامية بمعدل غير متوقع الى ان بلغ إجمالي أصول البنوك الإسلامية حوالي تريليوني دولار. وتبقى هذه مبالغ ضخمة مع انه لابد من الإشارة الى أن %55 من هذه الأصول في البنوك الإيرانية.

ومع نجاحات التمويل الإسلامي، فإن هناك تحفظات على نشاطات هذا التمويل. الأول، من بعض المرجعيات الدينية، الذي يشكك بصحة التزامه بالشريعة الإسلامية. والثاني من الليبراليين الذين يرون أن البنوك الإسلامية تستغل العواطف الدينية لتسويق خدمات مالية. اما التحفظ الأخير، ذلك الذي سأثيره في نهاية الموضوع يتعلق بتأثير نجاحات التمويل الإسلامي على حالة الوعي في المجتمع. في ما يتعلق بالتحفظ الأول فإن أكثر رجال الدين المعارضين للتمويل الإسلامي كان الشيخ صالح الحصين الذي كان رئيساً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الذي صرح منذ سنوات:

«لقد استطاعت البنوك الإسلامية ان تحقق أرباحاً عالية، وذلك بتمكنها من أن تلعب بمشاعر المسلمين البسطاء. وان أهدافهم لا تختلف عن البنوك الأخرى وهو تحقيق أرباح دون المشاركة في تحقيق تنمية في العالم الإسلامي».

لكن معارضة الشيخ الحصين من جهة وحتى إبعاد شبهة الربا عن الفوائد المصرفية من قبل مجمع البحوث الإسلامية في القاهرة من جهة أخرى، لم يؤثرا على نمو الصناعة المصرفية الإسلامية، والتي استفادت من ظاهرتين تزامنتا التأثير. فقد تزامن في عقد السبعينات ظهور الصحوة الإسلامية مع تضاعف أسعار النفط، والذي أدى الى تراكم ثروات لدى دول الخليج ومواطنيها وشركاتها. فقد بدأت الصحوة الإسلامية بعد هزيمة 1967 واتسع نموها بعد الثورة الإيرانية عام 1979 على ضفتي الخليج. فتعززت المشاعر الإسلامية، وأخذت مظاهر عديدة مثل انتشار الحجاب وانتشار الجمعيات الإسلامية، وبلغ الحماس لدى البعض ان ترك أهله والتحق بالثوار الأفغان لمحاربة الشيوعية. لكن هذا التزامن بين تراكم الثروات والصحوة الإسلامية، كان لا بد ان يقدم ما يحقق بين رغبتين: تحقيق الربح والتزام بقيم الصحوة. فكانت المصارف الإسلامية نتيجة لهذا التزامن. ولقد كان توقيت تأسيس بيت التمويل الكويتي مثالياً.

هذا وقد واصلت الصناعة المصرفية الكويتية الانتشار الى درجة انها اصبحت تستحوذ على %44 من اجمالي الاصول المصرفية، ويلاحظ ان رواد الصناعة المصرفية في الكويت كانوا من خلفيات اجتماعية واقتصادية ليس لها باع طويل في التجارة، فالتجار التقليديون كانوا الرواد في تأسيس المصارف التقليدية، ولم يكن متوقعاً ان يدخلوا في تجارة تشكك بما أسسوه، وفي البداية لم يتوقعوا ان ينمو الاقبال على الخدمات المصرفية الاسلامية بهذا المعدل، وقد تطرقت الى هذا الموضوع في مقالات سابقة منذ اكثر من عشر سنوات توقعت حينها ان ينتبه التجار التقليديون في الكويت الى ذلك وتوقعت آنذاك انه مع الوقت فإن العائلات التجارية التقليدية، ستهيمن كذلك على البنوك الاسلامية، ولمحة سريعة الى العمل المصرفي الاسلامي في الوقت الحاضر تثبت ما تنبأت به.

ولقد ظهر جيل من المصرفين الاسلاميين اقل تأثرا بجو الصحوة الإسلامية، بل ان كثيرا منهم بنى خبرته في العمل المصرفي التقليدي وتحوله الى الاسلامي كان للترقي الاسرع، ويمارسه دون قناعة، وبشكل عام فقد تلاشى الجيل المصرفي الاسلامي الذي كان يطمح الى تحويل النظام المصرفي العالمي الى نظام اسلامي، وقد لاحظ هذا التحول الدكتور سامويل هيز ــ استاذ التمويل في هارفارد والمشارك في تأليف كتاب «القانون والتمويل الاسلامي»، ففي لقاء معه عام 2005 في مكتبة هارفرد رأى ان تراجع الحملة الإيمانية التي كانت تزيد تحويل النظام المصرفي العالمي الاسلامي يعتبر ظاهرة ايجابية، هذا ومع تميز تجربة التمويل الاسلامي في الكويت، فإنه عند شمولية ايران والتي تستحوذ على %55 من اصول العمل المصرفي الاسلامي وذلك وفقا لمكتب A.T.Kearny للاستشارات المالية، فإن الكويت تستحوذ على %6 من الاصول والسعودية %13، ومع ان نمو هذه الصناعة يبلغ حاليا %17سنويا، الا ان هذا المكتب يحذر من تراجع معدل النمو، ويرى ان من اهم التحديات التي تواجه البنوك الاسلامية تدني مستوى كفاءة التشغيل.

وكما ذكرنا فإن تأسيس البنوك الاسلامية ارتبط بالصحوة، لكن هذا لا يعني ان الصحوة ادت الى ارتفاع مستوى الوعي بالاسلام نفسه، ولا اعلم مدى الوعي بأن آيات الربا الست نزلت في آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وانه لم تمر سنوات كافية للخوض في تجربة في حياته ليتمكن من تفسيرها للمسلمين، لذا كان الخليفة عمر رضي الله عنه يقول: «حرمنا تسعة اعشار الحلال مخافة الربا»، كما ان القليل يعرف ان المسيحية سبقت الإسلام في تحريمها الربا، بل يمكن التعميم ان جميع الديانات بما فيها غير السماوية تحرم الربا، لكن المفهوم تغير مع الزمن، فعقد الربا المحرم هو ذلك الذي يستغل فيه الغني حاجة الفقير الى قوته، فالعقد يكون ربويا عندما يكون فيه اذعان، وقد تنبه الى ذلك القس جون كالفن في القرن السادس عشر، عندما نبه الى ان حرمة الربا تأتي من ضرره، وعندما يزول الاذعان تنتفي شبهة الربا، فعندما يقترض الفقير من الغني لإطعام أطفاله يكون هذا ربا، لكن عندما يقدم مصرف قرضا لشراء معدات في مصنع لا يكون قرضا ربويا، لقد قاد كالفن ثورة على الكنيسة الكاثوليكية اضطرت في النهاية الى الاقرار بعدم حرمة الفوائد المصرفية في القرن التاسع عشر، ولعل القليل يعلم ان العقود المصرفية التي تكون نسبة الفائدة اعلى بكثير من الفائدة المصرفية السائد تعتبر ربوية Usurious وهي محرمة قانونيا في اوروبا والولايات المتحدة.

لا يمكن ان يكون هناك نظام مصرفي من دون ربط قيمة النقود بالوقت، والذي يعني فرض فائدة على التمويل، والمشاركة في الاستثمار غير واقعية، فلا يمكن للبنك ان يشارك آلاف المقترضين في مشاريعهم، لذا كان ان ابتدعت البنوك الاسلامية المرابحة كأداة تمويل تعطي البنك عائدا متناسبا مع الفائدة المصرفية السائدة.

وعندما أشرت في بداية المقال إلى أثر التمويل الإسلامي في الوعي العام، كنت أتساءل عن كيفية قبول المرابحة لدى المسلم ورفضه الفائدة. والموضوع لا يتعلق بالمرابحة فقط، وإنما بآلية التفكير لدى المسلم التي تقبل أن يقوم المصرف الإسلامي بشراء سيارة مع إضافة %5 هامش ربحٍ، ولا تقبل أن تأخذ قرضاً لشراء السيارة من مصرف تقليدي بالنسبة نفسها، وربما أقل. إن ذلك يعزز نمطاً من التفكير يقبل الاستسلام لتفسير أحادي لا يأخذ بحركة الحياة ويرفض الاجتهاد. إن الموضوع هو أكبر من بنوك إسلامية وبنوك تقليدية، إنما يتعلق بمدى عقلانية المجتمع في هذا العصر البالغ التعقيد. إن هذه الرؤية، التي ترى إسلامية المرابحة وحرمة الفائدة، تساهم في تشكيل وعي يعيش في عزلة عن عالمه. ونمط التفكير الإسلامي هذا مستغرق في السكون، حتى في ما يتعلق بالتمويل الإسلامي نفسه، فحتى أدوات التمويل الإسلامي وأدبياته والبحوث حوله ليست نشاط المسلمين، إنما الغالبية العظمى من المساهمين فيها هم من غير المسلمين، وقد علق الدكتور رودني ويلسون، الباحث في التمويل الإسلامي والذي يدعى كثيراً إلى مؤتمرات التمويل الإسلامي، بأنه على الرغم من الإشارات الكثيرة للتجارة في القرآن الكريم فإن المسلمين لم يقدموا أي بحث أو نظرية مميزة في الاقتصاد في العصر الحديث.

هناك مليارات مستثمرة في التمويل الإسلامي، وهناك حضور لهذه البنوك في حياتنا، بل إنها أصبحت تشكل رؤى الكثير في رؤيتهم ليس للاستثمار وإنما للحياة، فاللاعقلانية في التفكير تنتقل من مجال إلى آخر. وأصاب جزء منها التعليم، فمنذ سنة قرأت أن هناك تفكيراً أن تقدم كلية إدارة الأعمال في جامعة الكويت برنامج دراسات عليا في التمويل الإسلامي، مع أن أحد الأساتذة استبعد تحقيق ذلك لعدم وجود منهج يدعم هذا البرنامج، لكن يبقى أن هذه الاهتمامات تشكل أوهاماً في عقول الطلبة. مضيعة عليهم فرصة العلم الحقيقي.

أصبحت المصارف الإسلامية تشكل قطاعاً مهماً في الاقتصاد وتوظف الآلاف، إنها تمارس عملاً مصرفياً ناجحاً. والغالبية تتعامل معها خضوعاً لرأي المحيط الاجتماعي. إنه سلوك منساق مع تيار يريد ألا يفكر وألا يحكم بنفسه، فحطها براس عالم واطلع سالم، لكنه سلوك سكوني لا عقلاني، له تكلفته. هذه التكلفة لا تظهر في ميزانيات البنوك الإسلامية، إنما تظهر في سلوكياتنا كشعوب على أحكامنا وتطلعاتنا، فالعقل الذي يحلل المرابحة ويحرم الفائدة كفيل بأن يتقبل أوهاماً أخرى.

(المصدر: القبس 2015-11-15)




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :

اضف تعليق

يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد