من رزمة كيري الكاملة إلى المتدرجة
قد يكون لتأجيل زيارة وزير الخارجية الأميركية "جون كيري" المقررة للمنطقة، علاقة بموجة المواقف الإسرائيلية المتشددة لعملية السلام، فقد أدرك "كيري" أن وساطته مهددة بالفشل، وأن الجهود التي يبذلها في جولاته المتكررة أخذت تتعثر، فنائب وزير الجيش الإسرائيلي الليكودي "داني دنون" -المقرب جداً من رئيس الوزراء "نتنياهو"- قال أنه لا يوجد في إسرائيل من يتعامل مع المفاوضات الفلسطينية بجدية، وإن وجد، فإن الجناح الصقري في حزب الليكود لن يسمح باتخاذ أية خطوات أو "تنازلات" تجاه الفلسطينيين، "إسرائيل اليوم 10-6-2013"، وفي مقابلة مع "الإذاعة العبرية 9-6-2013" أعلن "دنون" أن الحكومة الإسرائيلية ستعارض ما يسمى بحل الدولتين، وأن مشروعه ومشروع الحكومة الإسرائيلية ضد إقامة دولة فلسطينية، بل أن مستقبل الفلسطينيين مرتبط مع الأردن ومصر، مما أثار ضجة في الجهاز السياسي والدبلوماسي، فكيف يدعو "نتنياهو" لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، بينما لم تجر الحكومة الإسرائيلية-كما هو متبع- أي نقاش لهذا الحل، ولم تطرح أية جهة رسمية موضوع حل الدولتين، وحتى إن طرحت فإن أغلبية الوزراء سيعارضونها، و"نتنياهو" الذي يدعو صباح مساء لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، يعرف أنه لن تكون هناك مفاوضات تؤدي إلى حل الصراع مع الفلسطينيين، فهو قادر على عرقلتها، ثم بوقاحته يحمل الفلسطينيين المسؤولية.
في تعقيبه على العملية التفاوضية، قال "نتنياهو": يجب أن يكون الإنسان في عهدنا ذكياً، -أي كذاب- وليس فقط أنه على حق، فــ "نتنياهو" يكذب عندما يقول أنه ملتزم بحل الدولتين، في حين يرفض وقف البناء الاستيطاني، بل ويسرع المشاريع الاستيطانية بشكل مكثف، في القدس، وفي الضفة الغربية، وفي الأغوار الفلسطينية، متعهداً بمواصلة الاستيطان، فأين ستقام الدولة الفلسطينية إذن؟ فرئيسة حزب "ميرتس" اليساري "زهافا غلاون" -التي اتهمت الحكومة الإسرائيلية بوضع العراقيل على طريق المفاوضات- سألت "نتنياهو" في الكنيست: هل أنت شريك للسلام؟ وهل ستمد يدك لمبادرة السلام العربية؟ فكيف سيتحقق السلام والبناء الاستيطاني في الضفة الغربية يسجل أعلى نسبه منذ سبع سنوات، إذ أنه ارتفع بنسبة 176%، بينما انخفض البناء داخل إسرائيل بنسبة 8.9%، وهناك معلومات تفيد أنه ارتفع بنسبة 1000% في الربع الأول من العالم الحالي.
"نتنياهو" ومعه خمسة من وزرائه، توجهوا إلى وارسو لعقد الجلسة السنوية المشتركة مع الحكومة البولندية، وكالعادة صدر عن هذه الاجتماعات بيان مشترك وجاء في البيان-الذي بلور من قبل ديوان "نتنياهو" بالمشاركة مع ممثلي الحكومة البولندية- "لا يمكن التشكيك في حقوق الشعب الفلسطيني، بأن تكون له دولة خاصة به"، هذا البيان المؤيد لحل الدولتين، ملزم للحكومتين ولكن "نتنياهو" تراجع عنه، وتنصل منه واعتبر البيان مهزلة، وفي تصريحات لموقع نيوز (1) الإسرائيلي "9-6-2013"، قال نتنياهو بأن إسرائيل هي صاحبة السيادة في القدس، بما فيها منطقة "جبل الهيكل" أي المسجد الأقصى، الذي وصفه بالمكان الأكثر قدسية لليهود، معتبراً أن اتفاقية الملك "عبد الله الثاني"، والرئيس الفلسطيني "محمود عباس" غير ملزمة لإسرائيل، وفي مؤتمر اللوبي الإسرائيلي من أجل "أرض إسرائيل الكاملة"-"موقع نيوز1 الإسرائيلي 12-6-2013-، أعلن رئيس الائتلاف الحكومي "ياريف لفين"، أن السلام لن يتحقق دون تحقيق شعب إسرائيل حقه بلا منازع، على أرض إسرائيل التوراتية.
في جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي يوم الأحد "9-6-2013"، جدد "نتنياهو" شروطه للسلام، وأهم هذه الشروط، اعتراف الفلسطينيين بأن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وأضاف عقبة جديدة-إذ أن ذرائع "نتنياهو" لا نهاية لها- بأنه وبناء على الوضع الذي يسود المنطقة من توترات، وعدم استقرار- آخذاً من سورية مثالاً- فإن إسرائيل لن تقبل بأية ضمانات أمنية لها، بل أنها تعتمد على نفسها وهي مسؤولة عن الدفاع عن أمنها، فدعوة "نتنياهو" للرئيس الفلسطيني من على منصة الكنيست للعودة إلى طاولة المفاوضات "أكذوبة كبرى"، فعلى ماذا ستجري المفاوضات وإسرائيل تلتهم الأخضر واليابس وتواصل عمليات هدم منازل الفلسطينيين، وتلتهم الأراضي لصالح الاستيطان؟
لقد وجدت إسرائيل ضالتها، بعد رفض الفلسطينيين بشدة الاعتراف بيهودية الدولة، فقد طرح رئيس الائتلاف الحكومي من "الليكود-بيتنا" النائب "ياريف لفين" على الكنيست مؤخراً، مشروع قانون الدولة اليهودية القومية، بصيغة أكثر تطرفاً، من المشروع الذي قدم إلى الكنيست السابقة بتاريخ 3-8-2011، ومما جاء في مشروع القانون:" أن "أرض إسرائيل" هي الوطن التاريخي لليهود، ومكان وجود دولة إسرائيل"، دون أن يأتي على ذكر أي من الأديان والقوميات الأخرى، ثم أن ممارسة حق تقرير المصير هو فقط للشعب اليهودي، ويعتبر مشروع القانون اللغة العبرية فقط لغة رسمية وحيدة في إسرائيل، والتأكيد على الربط التقليدي والتاريخي بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل، -كما ورد في وثيقة الاستقلال- وإعطاء المحاكم الأفضلية للهوية اليهودية في قراراتها، ومع أن مشروع القانون هذا لا يشترط اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، غير أن إقراره، سيثير جدلاً داخل إسرائيل من جهة، وردود فعل فلسطينية وعربية غاضبة على هذا القانون، من جهة أخرى، وبينما هناك خلافات يهودية كبيرة في التعريف من هو اليهودي، يأتي هذا القانون ليحدد مكانة اليهودية في الكيان الصهيوني، وإعطاء تعريف خاص لمصطلح "أرض إسرائيل"، فمخاطر هذا القانون تكمن في ابتلاع ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، كما أن هذا القانون يمنع إقامة الدولة الفلسطينية، ويلغي حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ويشكل خطراً على مستقبل ووجود الأقلية العربية في إسرائيل، في الطريق نحو نزع الحقوق المدنية عنها، وتطبيق نظام "الترانسفير" عليها، مع أن عدد الفلسطينيين يزيد عن مليون وستمائة ألف مواطن داخل إسرائيل، يشكلون وفقا للإحصائيات الإسرائيلية الرسمية، ما يزيد عن 20% من مجموع السكان، وإذا أخذنا بعين الاعتبار، هجرة ما يزيد عن مليون يهودي إلى خارج إسرائيل، مع بقاء أسمائهم ضمن سجل المواطنين الإسرائيليين فإن نسبة الفلسطينيين في الداخل، تزيد بكثير عن العشرين بالمائة.
في ظل هذه المخططات والمشاريع الإسرائيلية، فما الحاجة لعودة "كيري" لتنشيط عملية مفاوضات تقود إلى طريق مغلق، غير أن "كيري" بعد إغلاق إسرائيل لخطته التي أطلق عليها "الرزمة الكاملة" فإنه قد يلجأ إلى الخطة التدريجية للإيهام بأن عملية السلام متواصلة، تجنباً لحصول انفجار جديد داخل الأراضي المحتلة، وأن عدم التوصل لاتفاق، سيخلد الصراع.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews