هل تتوافر القوة الناعمة في سوق العمل؟
تمتلئ سوق العمل في بلادنا بملايين الإخوة الوافدين الذين جاءوا مشكورين ليشاركونا في التنمية والبناء، ومن واجبنا أن نقدم لهم الشكر على جهودهم، وفي الوقت ذاته نرجو ألا ينزعجوا حين نقدم ملاحظاتنا على أدائهم وسلوكهم وأخلاقياتهم، فمن حقنا أن نحافظ على وطننا، من كل الجوانب الثقافية، والاقتصادية، والبنية التحتية. تأملت في العمالة التي أنا وغيري من الناس نحتك بها بين فينة وأخرى مثل العاملين في صيانة الأجهزة المنزلية، وكذلك العاملين في ورش السيارات، أما العاملون في البناء، ورصف الطرق وتمديدات الخدمات (كالكهرباء والماء)، فهولاء لا نتعامل معهم مباشرة لكنا نلمس نتائج أعمالهم بإيجابياتها، وسلبياتها ولا يمكن إنكار الإيجابيات أو السكوت عن السلبيات.
هل يمكن تصنيف هذه العمالة حسب أدائها، وأخلاقها، ومهاراتها، واحترامها للأنظمة، والثقافة الوطنية؟ نعم من الممكن ذلك لكن عملية التصنيف هذه لا يمكن تعميمها، إذ يوجد أشخاص مختلفون عن عموم أفراد الجنسية التي ينتمون إليها، فقد نلاحظ أفراد جنسية ما يتسمون في عمومهم بالهدوء، والسكينة، ودقة الإنجاز، والاعتراف بأنه لا يعرف إنجاز المهمة، ولا يجد حرجا في ذلك، كما يتمتعون بالأخلاق العالية، وحسن التعامل، في حين يوجد أفراد جنسية أخرى تغلب عليهم كثرة الكلام، والتهريج، وبيع الكلام الرخيص بأغلى الأثمان، وادعاء تمكنه من إنجاز أي مهمة، مهما كان تعقيدها، وهذا يعكس ثقة نفس مفرطة، ربما توهم الطرف الآخر، وتدخله في مشكلات لا حصر لها، في حين توجد جنسية أخرى أبرز ما يميزها شراسة التعامل الذي يصل إلى سوء الأخلاق في بعض الأحيان، كما أن جنسيات أخرى يكثر منها ارتكاب الجرائم، كالسرقة، والقتل، والمخدرات.
ترى لماذا هذا الاختلاف؟ الأسباب التي أوجدت هذه الاختلافات كثيرة، منها الثقافة التي تحملها كل جنسية، فالثقافة لها دور في تشكيل السلوك، وطريقة التفكير، سواء في فظاظة التعامل، أو احترام النظام من عدمه، أو الالتزام، واحترام الوقت، أو الالتزام بالدقة، والاحترافية، وإنجاز المهمة، حسب الأصول، وبالشكل المطلوب، كما أن البيئة الاجتماعية التي يعملون بها، كبيئة مفتوحة، مرنة في تعاملها، إن لم تكن متساهلة، شجعت بعضا منهم على استغلال هذا الوضع المفتوح في سوق العمل، ومخالفة النظام لدرجة الإساءة التي تحمل في مضامينها عدم الاحترام.
البيئة الخصبة لممارسات غير نظامية، المسؤول الأول والأخير عنها، الإنسان السعودي، سواء كان مسؤولا، أو غير مسؤول، فتراخي المجتمع أفرادا، وجهات رسمية في فرض النظام، والمحافظة على المكتسبات تنتهي بمكاسب لمصلحة ضعاف النفوس، ومن ثم كثرة الجرائم، وسوء تنفيذ الخدمات المطلوبة، أو المشاريع التي يقومون بها. ويضاف للبيئة والثقافة التي يحملها الفرد مهارته في المهنة التي يزاولها، وقدرته على تطوير قدراته، وتنمية معارفه فيها، واكتساب كل جديد، فهذه تنعكس على سلوكه وتعامله مع طالبي الخدمة.
سوق العمل أقرب ما تكون إلى قطاعات يتم توزيعها على حسب الجنسيات فتجارة التجزئة على سبيل المثال يندر وجود السعودي فيها، وفي الوقت ذاته تتوزع بشكل عام إلى نشاطات، حسب الجنسيات فتجارة الأقمشة تخص فئة، والملابس الجاهزة كذلك، أما بيع مواد البناء فتسيطر عليها فئة أخرى، وبالمثل العطور والبخور، وهكذا مع بقية السلع، أما خدمات سيارات الأجرة فهي تقريبا حكرا على جنسية من الجنسيات، وهذا ينطبق على العاملين في المطاعم.
أنشطة أخرى وهي إدارة مؤسسات يتعامل معها الجمهور كتأجير السيارات، أو بيع قطعها وإصلاحها تمثل خليطا من الجنسيات، وهذه السوق فيها كثير من المفاجآت فبعض الكهربائيين، أو الميكانيكيين تنقصهم المهارات اللازمة، إضافة إلى عدم الإخلاص في العمل، ولذا نجد العاملين يقومون بالمهمة اجتهادا، وليس بناء على معرفة، ويقين، لتكون النتيجة خسارة المال، والوقت على طالب الخدمة، وهذا مرده سوق العمل المفتوحة، ولذا أقترح أن يكون للعاملين في هذه المجالات شهادات مهنية تؤهلهم للممارسة، أو إخضاعهم لاختبارات تطبيقية منعا للتجاوزات التي يدفع ثمنها مضاعفا المواطن والوطن على حد سواء.
لتتحقق جودة الخدمات، وإنجاز المشاريع بشكل صحيح يلزم الاختيار الجيد للعاملين وذلك بالغربلة وفق أسس سليمة تشمل المعرفة، والمهارة، والأخلاقيات كما يلزم فرض الأنظمة على كل النشاطات بلا استثناء، وفوق هذه تهيئة الإنسان السعودي المتسلح بالعلم ومهارات الإدارة، إضافة إلى الإخلاص في أداء المهمات، ومتى ما توافرت هذه فسنضمن خدمات رائعة ومشاريع على مستوى عال من الجودة.
(المصدر: الاقتصادية 2015-11-12)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews