تجار السوق الأذكياء دمروا الاقتصاد
عندما كنت تلميذاً في أدنبرة في الستينيات، كان المكتب الرئيس لبنك اسكتلندا بناية كبيرة تطل على شارع موند، الشارع الذي يؤدّي من شارع الأمراء إلى قلعة أدنبرة ورويال مايل. رويال بانك أوف اسكوتلند، منافسه اللدود، احتل دونداس هاوس، أرقى العقارات في البلدة الجورجية الجديدة في المدينة.
القطاع المصرفي في ذلك الحين كان مهنة للطلاب الذين لم يحصلوا تماماً على العلامات المطلوبة ليتم قبولهم للدراسة في الجامعات الجيدة. إذا كانوا قد انضموا لأي من هاتين المؤسستين، يُمكن أن يصبحوا مع الاجتهاد مديري فروع بعد 20 عاماً. مدير البنك كان شخصية مجتمعية من شأنه الاستناد في قرارات الإقراض الخاصة به (جميعهم كانوا رجالا) على معرفته بالمجتمع المحلي وشخصية المُقترض بقدر اعتماده على سلامة الأرقام. وكان يتوقّع قضاء حياته المهنية في البنك والتقاعد مع معاش سخي لقضاء مزيد من الوقت في ملاعب الجولف التي كانت مكاناً مناسباً لتبادل الأحاديث مع عملائه. لم يخطر بباله أبداً، أو بال زبائنه، أن البنك الذي انضم إليه لن يستمر إلى الأبد بشكله القائم. بحلول الوقت الذي انهار فيه كلا البنكين عام 2008، كان العالم المالي قد تغيّر بشكل يصعُب التعرّف عليه. الأسباب تضمنت العولمة، وتحرير القطاع المالي، والابتكار التكنولوجي وفي مجال المُنتجات، فضلا عن الأيديولوجيات الجديدة، والتحوّلات في القيم الاجتماعية والثقافية.
لورانس سمرز (وزير الخزانة الأمريكي الأسبق الذي شهد التحوّل بعدة طرق، بوصفه أكاديميا وسياسيا ومدير جامعة ومرشحا لإدارة البنك المركزي) وصف الأمر على النحو التالي: "في الأعوام الـ 30 الماضية تحوّل مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية من مجال كان يُهيمن عليه الناس الذين كانوا جيدين في لقاء العملاء عند نهاية لعبة الجولف، إلى الناس الذين كانوا جيدين في حل مشكلات حسابية صعبة للغاية تضمّنت تسعير الأوراق المالية المُشتقّة". البروفيسور سمرز ذكر هذا التحوّل باستحسان واضح.
لكن هؤلاء الناس الأكثر ذكاءً تعاملوا مع الأمور بشكل أقل جودة مما فعل أسلافهم الذين كانوا أقل تميزا من الناحية الفكرية. فنادراً ما كانوا أذكياء بقدر ما كانوا يعتقدون - أو أذكياء بما فيه الكفاية للتعامل مع تعقيدات البيئة التي أوجدوها.
النمو في حجم القطاع المالي، والارتفاع الكبير في الأجور، والتغيّرات في طبيعة النشاط المالي، لم تكُن بأي درجة كبيرة مدفوعة من التغيّرات في احتياجات الاقتصاد غير التجاري للخدمات المالية. هذه الاحتياجات - تشغيل عملية المدفوعات، وإدارة الثروة الشخصية خلال حياة المرء وبين الأجيال، وتخصيص رأس المال بين أشكال مختلفة من الاستثمار الإنتاجي، وتجميع المخاطر - لم تتغيّر كثيراً.
في الواقع، نمو الأسواق المالية للتعاملات بين المصارف والمؤسسات المالية الأخرى هو أساسا نتيجة زيادة هائلة في تداول السوق الثانوية في الأصول القائمة؛ ومحور الابتكار كان إدارة (أو سوء إدارة) المخاطر التي تم إيجادها في النظام المالي نفسه. في العالم الذي يسمي نفسه التمويل الحديث، النشاط الرئيس للمؤسسات المالية هو التداول مع مؤسسات مالية أخرى.
اليوم ربما تكون هناك حاجة أقل للشخص المُتصّل، الفرد الذي يعرف من وليس ماذا؛ فالتكنولوجيا تُساعد في تحقيق الاتصالات، على الرغم من أنها لا يُمكن أن تحلّ محلّ العلاقات الشخصية. لكن تخصيص رأس المال الفعّال يتطلّب فوق كل شيء المعرفة والخبرة لتقييم جودة الأصول الأساسية، وقدرات أولئك الذين يتولون إدارتها.
لكن القدرة التي كانت تحظى بأكبر تقدير في القطاع المالي في العقد الأول من القرن الـ21 كانت التقدير العميق لأسواق الأصول نفسها. نشر مثل هذه القدرات من قِبل أشخاص مع فكرة مُبالغ فيها عن أهمية هذه المهارات، وشعور مُبالغ فيه بالكفاءة الخاصة بهم، أغرق الاقتصاد العالمي في الأزمة المالية الأسوأ منذ الكساد العظيم. ربما أولئك الرجال الرائعون، مع القليل من إعاقات لعب الجولف، كان لديهم في النهاية شيء ما لتقديمه.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-11-04)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews