هل تتدخل روسيا في ليبيا
ليبيا الآن هي مسرح للتدخلات الإقليمية والعالمية، وكل أجهزة المخابرات الدولية تتواجد فوق أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية، وما نشاهده من انتشار للميليشيات المتطرفة ذات العقائد الأيديولوجية والبعد الأممي أو ذات الولاء القبلي أو المناطقي ليس كله نتيجة صراعات محلية على السلطة والنفوذ والأيديولوجيا، وإنما هو نتيجة صراعات بين قوى إقليمية وعالمية، ولهذا فالذين يحتجون على التدخل الروسي في سوريا أو احتمال امتداده إلى ليبيا ويدعون بعدم مشروعيته ينسون، أو يتناسون، المبررات التي سيقت عام 2011 لتدخل الحلف الأطلسي والدول التي تسير في فلكه، بل يغضون الطرف عن أسباب التدخل الغربي في سوريا والعراق وأفغانستان.
إذا كانت المبررات التي قدمت أو أعطت المشروعية للتدخل في شؤون الدول الأخرى هي مكافحة الإرهاب، فإن ذلك أيضا من حق روسيا التي اكتوت بنار المتطرفين الإسلاميين الذين كانوا يقومون بدور حصان طروادة لتفكيك الاتحاد السوفييتى في نهاية الثمانينات نيابة عن الحلف الأطلسي، ثم حاولوا خلال التسعينات من القرن الماضي عن طريق المتطرفين في الشيشان والقوقاز أن يفككوا روسيا الاتحادية.
لقد أدركت روسيا أن ما يجري في سوريا والعراق ليس صراعا يخص المنطقة أو هو فقط صراع طائفي بين الشيعة والسنة أو بين الإسلام المتشدد والإسلام المعتدل، وإنما هو مناورة بالذخيرة الحية والسيارات المفخخة والتدريب على التوحش، ويتم كل هذا تحت غطاء وحملة تمويه بالغة الخطورة يقودها الحلف المعادي لروسيا تحت ما يسمى مكافحة الإرهاب استعدادا لمعركة فاصلة سيخوضها هؤلاء المتوحشون لتدمير روسيا أو تخريبها أو على الأقل إرباكها لعرقلة دورها العالمي المتصاعد.
وفي المجمل يمكن القول أن المشهد الليبي لن يختلف، في مخرجاته ونتائجه، عن المشهد العراقي والسوري، لأن ما حدث منذ 2011 هو عملية تجريف وتسطيح للجغرافيا السياسية للمنطقة العربية استعدادا لإعادة هندستها بشكل يختلف عما سبق هذا التاريخ، ولهذا فإن المرتفعات والأحراش التي كانت تمثلها ليبيا وسوريا والعراق والمقاومة اللبنانية والفلسطينية وحتى اليمن والجزائر هي المستهدفة بهذا المخطط، وأضيفت مصر بعد وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي للحكم والتي أبرزت مؤشرات أثارت التخوف من أن مصر ستستعيد دورها القيادي في المنطقة.
وفي ما يتعلق بليبيا فإن التدخل الروسي فيها لن يكون بعيدا إذ أن ما يجري في ليبيا أصبح يهدد الأمن الروسي على صعيد الأمن القومي بما فيها الأمن الاقتصادي حيث ستكون ثلاثية الإرهاب والنفط والغاز حاسمة في تحديد طبيعة الصراع، وتتحكم في موقف اصطفاف أي دولة لأحد المعسكرين، ولم تعد الأيديولوجية هي معيار التحالف مثلما كانت خلال الحرب الباردة. وفي هذا السياق ليبيا تكتسب أهمية تفوق أهمية سوريا بالرغم من أن قرب سوريا من مخزون النفط في الخليج والعراق وإيران أعطاها أهمية إضافية، خاصة بعد تكليف قطر، من أعداء روسيا الكبار، بالعمل على تأسيس تحالف لاحتكار الغاز لخنق روسيا اقتصاديا وسحب ورقة ضغطها الرئيسية على أوروبا وهي الغاز.
يمكن القول أن روسيا ستتدخل في ليبيا قريبا إذا لم يتم التوصل إلى حل مع الغرب لتقاسم النفوذ ومكافحة الإرهاب، وسيكون التدخل مفاجئا من حيث التوقيت والنتائج لأن الإرهابيين في ليبيا وحلفاء الغرب على الأرض لن يتمكنوا من الصمود إذا ما تم تسليح الجيش الليبي ودعمت القبائل، كما أن الحنين للنظام السابق وصل إلى أقصى مداه بعد أن أصبحت ليبيا دولة فاشلة سياسيا واجتماعيا ودخلت خانة الإفلاس الاقتصادي.
(المصدر: العرب 2015-10-29)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews