المشكلة الاقتصادية الصينية وفرص تعميق الاستثمار
كان الاقتصاد الصيني ينمو بشكل متسارع منذ سنة 2000 وبمعدل متوسط يزيد على الـ 10 في المائة سنويا حتى 2011. إلا أن هذا الاقتصاد بدأ في دخول مرحلة المعاناة تحديدا في النصف الثاني من سنة 2012، حيث لوحظ أن الاقتصاد الصيني أصبح ينمو بشكل متباطئ شهرا بعد شهر، إلى أن أصبحت مستويات النمو تحوم حول نسبة الـ 7 في المائة أو تقل عنها.
وكانت أعراض المشكلة تكمن في ضعف مساهمة قطاع التصدير في مؤشر النمو الاقتصادي. ويتمثل هذا الضعف في زيادة الوقت المطلوب لتصريف الإنتاج في السوق العالمي ما أدى إلى تراكم المخزون. فلم يعد السوق العالمي يشتري كل ما ينتج في السوق الصيني بسرعة. وبسبب تراكم المخزون ودخول كثير من المنتجين في اقتصاد الصين، أصبح هناك الكثير من السلع التي تنتظر دورها في التصدير ودون أن يقابلها طلب عالمي قوي مثل ذي قبل. فضلا عن ذلك، دخلت اقتصادات آسيوية أخرى مثل تايلاند وماليزيا والفلبين واندونسيا وفيتنام وغيرها لتنافس المنتجات الصينية في السوق العالمي.
الأمر المهم إذن، أن تراكم الإنتاج في الصين هو بسبب دخول مؤسسات وباعداد كبيرة في منظومة الإنتاج في الصين. وكان تمويل النشاط الإنتاجي في تلك المؤسسات الكثيرة تأتي أساسا من بيوت مالية متوسطة وصغيرة تعمل في سوق التمويل بالتجزئة، أي أنها تقترض أمولا من بنوك أكبر منها وتقرضها لتلك المؤسسات. وكان من شأن تباطأ سوق التصدير وتأخير تصريف الإنتاج بالبيع في ذلك السوق كان من شأنه أن يزيد من رقم المتعثرين تجاه تسديد مبالغ القروض لتلك البيوت المالية العاملة بالتجزئة. وبالنتيجة عانت أيضاً البنوك الكبيرة التي تقدم القروض لقطاع التجزئة المالية.
لذلك، فإن التعثر المتسلسل والمتوالي الذي ضرب القطاع المالي قد خلق مشكلة نقص السيولة في القطاع برمته. وبعد أن ازداد إحساس المستثمرين بأن مشكلة الاقتصاد الصيني أخذت في الاستفحال خاصة مع استمرار تقلص السيولة، فقد قامت الحكومة الصينية في 2013 بالتحديد بضخ سيولة نقدية ولعدة مرات في القطاع البنكي، وهذا كان من شأنه أن يسمح بإطالة فترة التحمل المالي لتعثر الأموال وتأخر السداد، وكذلك بجدولة الأموال المتعثرة. كما أقدمت الصين لاحقا على تخفيض سعر الفائدة أيضا لعدة مرات تزامنا مع ضخ النقود في القطاع المالي وذلك لاستمرار عجلة الإنتاج وترميم الثقة المتآكلة.
ورغم أن الصين تتمتع باحتياطيات نقدية ضخمة تصل إلى أكثر من 3.5 ترليون دولار قامت الصين بدعم ماليتها (دون المساس باحتياطياتها النقدية) وذلك بالنزول إلى سوق السندات لدعم اقتصادها وأيضا دعم السيولة بشكل عام.
ولإنقاذ سوق التصدير وتسريع تصريف الإنتاج الصيني في السوق العالمي ركزت الصين مؤخرا على استراتيجية دعم تنافسية سوق التصدير لديها. فقامت بخطوة مفاجئة في أغسطس 2015 بتخفيض قيمة عملتها أمام الدولار للمحافظة على جاذبية سوق التصدير. علما بأن الصين تربط عملتها بالدولار، الأمر الذي كان قد فاقم مشكلة قلة تنافسية سوق التصدير الصيني مع ارتفاع الدولار نتيجة لتكهنات رفع سعر فائدته في سبتمبر الماضي.
ولقد كان من شأن تلك الخطوة المفاجئة لتحفيض قيمة العملة الصينية أمام الدولار احداث ارباك كبير لدى المستثمرين، حيث تبع تلك الخطوة انخفاضا حادا وبأكثر من %40 في مؤشر السوق المالي الصيني. وكاد المؤشر أن يصل إلى درجة الانهيار لولا لجوء الصين إلى الاحتياطيات النقدية حيث اضطرت إلى استخدام ما يقارب الـ 300 مليار دولار من رصيد الاحتياطي وتوظيفه في شراء أسهم في السوق الصيني حتى لا ينخفض المؤشر دون الـ 3000 نقطة بعد أن كان المؤشر في أوجه عند مستوى 5300 نقطة في شهر يوليو 2015. وكان أهم دافع نحو هذ التحرك الطارئ هو ترميم الثقة ووقف موجة البيع خاصة من قبل اصحاب رؤوس الأموال واصحاب الاستثمارات الأجنبية، وأيضا وقف موجة خروج الاموال من الصين.
وخلافا للأزمة المالية التي نشأت في أمريكا نتيجة الديون العقارية، فإن اقتراب حدوث أزمة مماثلة تنشأ من الصين فهو أمر بعيد الحدوث. حيث إن الديون في الصين هي أغلبها حكومية، أي قدمتها الحكومة للاقتصاد، وهذا ما يجب أن يطمئن المستثمرين.
ولكن تبقى المشلكة الأخرى المهمة التي لها اليوم أثرها على الاقتصاد الصيني هي أن هناك الكثير من الأموال جائت في شكل استثمارات خارجية واصبحت تهدد بالرحيل عن الصين في ظل الظروف الاقتصادية التي تواجهها.
والنتيجة التي تعيشها اليوم معظم أسواق المال بعد الأزمة الصينية هي دخول اقتصادات العالم في مرحلة التذبذب المستمر صعودا وهبوطا في الأسواق، نتيجة لزعزعة الثقة عند أصحاب تلك الأموال الاستثمارية ولجوئها إلى الاستثمارات القصيرة الأجل، وذلك انتظارا لعودة الاستقرار في الاقتصاد الصيني والعالمي.
والدرس المستخلص من هذه المقالة هو، أن الذعر الذي المّ بالمستثمرين كان مبالغ فيه وغير رشيد، بسبب أن الاقتصاد الصيني هو اقتصاد موجه. ورأينا أن الحكومة الصينية كانت دائما تحاول أن تحل مشكلتها الاقتصادية وبعدة آليات وأدوات، مثل ضخ الاموال الحكومية في القطاع المالي لتقليل آثار شح السيولة، وإصدار السندات، وتخفيض نسب الفائدة، واللجوء إلى الاحتياطي، ودعم سوق الأسهم، وتخفيض قيمة العملة. لذلك فإن التفكير الاستراتيجي الاستثماري العميق في الاقتصاد الصيني ينبغي أن يصب في عدم فقدان عامل الثقة فيه، وأن تقوى وتتوجه إليه الاستثمارات طالما أن هناك غطاء حكومي يرعى الأداء الاقتصادي ويدعمه ويحافظ عليه.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-10-22)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews