«انتفاضة» أو «هبّة»... الكارثة مستمرة
لم يعد خافياً أن حكومة بنيامين نتانياهو لا تريد حل الدولتين وهي بتركيبتها الحالية تطبق مبادئ قتلة إسحاق رابين الذين لم يؤمنوا يوماً باتفاق أوسلو ولا هم يريدون مبادلة السلطة الفلسطينية اعترافها بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن، باعتراف مماثل بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته ومؤسساتها.
بديهي أن ممارسات التهويد التي يقوم بها اليمين الإسرائيلي المتطرف في القدس، هي محاولات مستمرة للقفز على الاتفاقات الدولية لتفادي استحقاق مضى عليه 21 سنة، لم تنفذ خلالها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سوى الوعود، فيما تصعّد منذ توقيع اتفاق أوسلو في 13 أيلول (سبتمبر) 1993، من وتيرة الاستيطان في الضفة.
وفي الوقت ذاته، يحاول نتانياهو مجدداً الإفلات من عواقب ارتفاع وتيرة هجمات المستوطنين على القرى والممتلكات الفلسطينية، باستدعاء جبهة جديدة في غزة، بذريعة ضرب «أهداف عسكرية» في القطاع. ويدرك نتانياهو أن همّ القوى الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة بات محصوراً بتهدئة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لانشغالها بأزمات أخرى في المنطقة، وأن أي مبادرات لن تتجاوز هذا الهدف، طالما أن المنطقة تمر باستحقاقات أكبر وأخطر بالنسبة إلى الأميركيين والأوروبيين والقوى الإقليمية.
في المقابل، فان الإنجاز «الرمزي» الذي تحقق برفع علم فلسطين فوق مقر الأمم المتحدة، شكل مؤشراً على إجماع دولي بضرورة استكمال عملية السلام، الأمر الذي قابله نتانياهو في خطابه أمام الدورة الأخيرة للجمعية العامة بهجوم على المنظمة الدولية، كاد فيه أن يرشقها بتهمة معاداة السامية، إمعاناً منه في ممارسة دور الضحية الذي لم يعد ينطلي سوى على قلة من الغلاة وأنصار اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، فيما تتزايد القناعة لدى الرأي العام العالمي بوجوب الوصول إلى تسوية تفاوضية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إن لم يكن من باب التعاطف، فهو انطلاقاً من فهم لانعكاسات التصعيد في تقوية شوكة المتشددين من الطرفين.
وهي الرسالة ذاتها التي أراد الرئيس محمود عباس إيصالها بخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أنه لم يعد ملزماً بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، في ما يكاد يكون التحذير الأبلغ سياسياً من السلطة الفلسطينية لجهة لفت الأنظار إلى أن التطرف لا يولد سوى التطرف، وهذا تماماً ما تريده الحكومة الإسرائيلية من خلال ممارساتها ومواقفها المعرقلة للوصول إلى اتفاق دائم لإنهاء الصراع وتحقيق السلام... ما يدعو إلى استنتاج واحد أنها ترفض حل الدولتين.
يعرف الجميع أن «أبو مازن» ليس من دعاة الانتفاضة تحسباً لانعكاس وقعها سلباً، وهو ليس بعيداً عن تفضيل وصف ما يجري من مقاومة بأنه «هبّة». لكن ما بين «الانتفاضة الثالثة» إذا صح التعبير و»الهبّة» ضد الاحتلال، فارق في التسميات، لا يحول دون واقع مرير يعيشه الشباب الفلسطيني مع الإحباط من تعثر عملية السلام واستمرار الاحتلال.
وسواء كانت الأحداث في الضفة تسير نحو «انتفاضة ثالثة»، أو أن نتانياهو سينجح باعتراضها من خلال تحرشه بغزة، فإن الباب يبدو مغلقاً في وجه الأهداف المعلنة لتحرك «الرباعية الدولية» التي تأمل بإطلاق مبادرة جديدة خلال أيام لدفع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلى طاولة المفاوضات.
غير أن المناخ السياسي الإسرائيلي الذي تهيمن عليه قوى الاستيطان واليمين المتطرف ليس مهيئاً لحل بل يقترب من قناعة ساذجة بأن السلطة الفلسطينية وراء «الهبّة» الشعبية، الأمر الذي يسوّق له المتطرفون في إطار سعيهم الحثيث لفرض أمر واقع جديد في الضفة والقدس.
(المصدر: الحياة 2015-10-13)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews