الرهان على السيولة المفرطة في الأسواق .. أزمة أسوأ
هشاشة السيولة في السوق هل هي سبب لإثارة القلق؟ "الاندفاع الخاطف" في سندات الخزانة الأمريكية في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2014 و"الانخفاض في سندات الخزانة الألمانية" في نيسان (أبريل) من عام 2015 يُظهران أن الاضطرابات يُمكن أن تحدث حتى في الأسواق ذات الأصول السائلة إلى حد كبير.
حدوث ارتفاع في أسعار الفائدة الأمريكية قد يُسبّب المزيد من التعطيل. ويُضيف البعض أن التنظيمات الجديدة تُقيّد قدرة المصارف على القيام بدور صُنّاع السوق، وبالتالي الحد من السيولة في الأسواق في الأصول ذات المخاطر العالية.
إلى أي مدى ينبغي أن نتفاعل مع هذه المخاوف؟ السيولة في السوق من المرجح أن تختفي عندما يكون المرء بحاجة إليها أكثر. بالتالي بناء آمالنا على ديمومتها هو أمر محفوف بالمخاطر.
هذا أبعد ما يكون عن كونه الرأي التقليدي. في الواقع، الفصل الثاني من تقرير الاستقرار المالي العالمي الجديد الصادر عن صندوق النقد الدولي يترنم بأنشودة ثناء لفضائل السيولة: السيولة في السوق - القدرة على تنفيذ تعاملات أوراق مالية كبيرة بسرعة، بتكلفة منخفضة وذات تأثير محدود على الأسعار - مهمة للاستقرار المالي والنشاط الاقتصادي الحقيقي.
كذلك هي مرونة السيولة في السوق. ويُحذّر من أن السيولة المنخفضة تُقلّل من فعالية الوساطة المالية وربما تمنع النمو. كما يُضيف التقرير أن السوق ذات السيولة المنخفضة قد تختفي عند مواجهة الصدمات.
علينا أن نبدأ بالعلاقة بين السوق والتمويل والسيولة النقدية. سيولة التمويل تُشير إلى القدرة على الاقتراض بسهولة. وسيولة التمويل هي قياس لسهولة الشروط النقدية.
هذه المفاهيم الثلاثة مختلفة، لكنها ذات صلة. سيولة التمويل تُسهّل صناعة السوق. والتوسّع النقدي يُسهّل التمويل بالنسبة للمصارف. بالتالي سيولة التمويل والسيولة النقدية يُعززان السيولة في السوق.
مثل هذه الروابط هي السبب في أن تشديد الشروط النقدية قد يؤثر على السيولة في السوق. على سبيل المثال، الصناديق المشتركة تحتفظ بكميات كبيرة من سندات شركات الأسواق الناشئة المُقوّمة بالدولار.
لنفترض أن المستثمرين أرادوا استرداد حيازاتهم استجابة لقلق متنام بشأن قدرة هؤلاء المُقترضين على السداد. هذا قد يوجد كما هائلا من المبيعات وانخفاضا كبيرا في الأسعار، ما يُثير مطالبات بتسديد الهوامش، وبالتالي المزيد من المبيعات والمخاوف بشأن قدرة الأطراف المُقابلة الإضافية على السداد.
إنه في مثل هذه الظروف يمكن أن تختفي التداولات المُتبادلة التي هي أساس السيولة في السوق قد تختفي. السيولة في السوق هي صديق مُتقلّب. في أوقات الضغوط الكبيرة، ربما تضطر البنوك المركزية لتُصبح صُنّاع السوق كملاذ آخير.
هذا في الواقع هو جزء من وظيفتها في الأسواق فيما يتعلّق بالسندات التابعة لحكوماتها، لكن هل ينبغي توفير تلك الخدمات في الأسواق لأصول أخرى أيضاً؟
استنتاجات صندوق النقد الدولي مُبهمة. أولاً، يُجادل أن مؤشرات السيولة قوية بالنسبة للسندات من الدرجة الاستثمارية، وأقل من ذلك بالنسبة للسندات ذات العوائد العالية وسندات الأسواق الناشئة. ثانياً، الظروف الدورية الحميدة تُخفي مخاطر السيولة.
هذا الوضع ربما يتغير بسرعة. ثالثاً، التغيرات التنظيمية كان لها تأثير مختلف، على الرغم من أن صندوق النقد الدولي يُدرك أن صناعة السوق من قِبل المصارف أصبح أمراً أكثر صعوبة. رابعاً، الدور المتزايد لمديري الأصول، وصناديق التقاعد وشركات التأمين في الوساطة هي مصادر سيولة أقل مرونة.
أخيراً، السياسة النقدية السهلة زادت من السيولة في السوق لكنها رفعت مخاطر السيولة - على اعتبار، في مرحلة ما، أن هذا التدفّق من المال سوف ينعكس.
المشكلة الكبيرة مع مثل هذه التحليلات للسيولة في السوق هي أن الأمور يغلب عليها أن تبدو جيدة إلى تتوقف عن ذلك. ينبغي علينا التركيز بدلاً من ذلك على المخاطر المُتعاقبة. لهذا السبب ينبغي تجاهل الشكاوى بشأن تأثير التنظيم المصرفي. الصعوبة مع الشكوى هي أنه في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية، عدد قليل من الناس شعر بالقلق حول اختفاء مُمكن للسيولة من السوق.
لقد اختفت عندما كنا بحاجة إليها أكثر، على الرغم من أنه لم يكن أي من تلك التنظيمات المُرهقة موجودا في ذلك الحين.
بالتالي، غياب التنظيم فاقم طفرة السيولة والانهيار اللاحق. إذا كانت المُتطلبات التنظيمية المُخفّفة تُشجّع المصارف على توفير السيولة في الأوقات الجيدة، فقط لتهرب عندما لا تكون قادرة على تمويل نفسها، سينتهي بنا المطاف في أسوأ جميع العوالم.
لذلك ينبغي تثبيط الثقة المُفرطة في السيولة في الأوقات الجيدة. بدلاً من ذلك، يجب أن يشعر المستثمرون بالقلق، لأن الخطر بأنه لن يكون هناك أحد على الطرف الآخر من تداولاتهم هو خطر حقيقي.
ينبغي أن نُعارض الرأي الشائع فيما يتعلّق بمزايا السيولة في السوق التي طرحها صندوق النقد الدولي. الاقتصاد العالمي لا ينبغي أن يكون قائماً على الثقة في شيء من المحتمل أن يتلاشى.
سيكون من الأفضل لو أن المستثمرين أدركوا مخاطر توقّف السيولة في السوق في الأصول المالية ذات المخاطر العالية.
علاوة على ذلك، الأسواق التي فيها جزء كبير من المشاركين الذين يشترون ليس من أجل الاحتفاظ، لكن على أمل أن يتمكّنوا من الخروج من الاستثمارات المُربحة في الوقت المناسب، من المرجح أن تكون غير مُستقرة وغير مُنتجة على حد سواء.
السؤال، في أبسط حالته، هنا هو ما إذا كان مبدأ السيولة في السوق يتناسب مع حاجة الأسواق بأن يكون لديها مستثمرون مُطّلعون ومُلتزمون.
إذا كانت السيولة صديقا مُتقلّبا بهذا الشكل، هل ينبغي أن نتوق إليها على الإطلاق؟ ألن يكون من الأفضل لو أن المستثمرين فهموا أن الأصول التي يملكونها قد لا تُصبح سائلة في جميع الظروف، واتخاذ القرارات المُتعلّقة بالاستثمارات بناءً على ذلك الافتراض؟ أود الإشارة إلى أن الأسواق التي تتميّز أكثر بالتزامات طويلة الأجل، وأقل بآمال العثور على "أشخاص أكثر حماقة" مستعدين للشراء في جميع الأوقات، قد تكون أفضل بالنسبة لمعظمنا. هذا لن يكون صحيحاً بالنسبة لجميع الأصول - ولا سيما السندات الحكومية. لكنه سيكون صحيحاً بالنسبة لكثير من الأصول في القطاع الخاص.
بالنظر بشكل خاص إلى الدور الحالي لصناديق الاستثمار المُشتركة الخاضعة لسداد الديون عند الطلب، فإن صُنّاع السياسة يجب أن يُخططوا لحالة الذعر المُقبلة.
إن الإبقاء على الأسواق سائلة عندما يأتي الذعر يُخاطر بجعل الأزمة المُقبلة أسوأ. لقد أصبحنا مُدمنين على السيولة في السوق، لكنها سوق هشة فوق الحد ومنحرفة فوق الحد في آثارها، على نحو يجعل من غير الجدير أن ننظر إليها على أنها سمة عالمية لأسواقنا الرأسمالية.
(المصدر: فايننشال تايمز 2015-10-09)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews