جنود روس يحملون " المناديل " لجنود إسرائيل في " القنيطرة " وأشياء أخرى

لم أفاجأ بعرض بوتين على إسرائيل الجمعة نشر جنود روس في بوابة القنيطرة التي دارت حولها معارك بين المعارضة وقوات الأسد نهاية الأسبوع ، عقب سحب النمسا لجنودها بعد الفلبين .

رسالة بوتين لنتنياهو ، أعني الرسالة المفتوحة عبر الإعلام ، تحمل وجهتين :

الأولى إلى إسرائيل ، من حيث أن نظام الأسد هو الأضمن لأمنها من " متطرفين " سيذيقونها العذاب في الجولان بعمليات " جهادية " وفق تهديد سبق وأطلقوه .

الثانية : رسالة طمأنة إلى الغرب ، أننا ، وبرغم دعمنا غير المسبوق للأسد ، إلا أننا لا نرغب بالتصعيد أوالصدام ونحن ملتزمون تجاه المنطقة واستقرارها .

موقع ديكفه الإسرائيلي المقرب من الإستخبارات ، قرأ صفقة صواريخ S300 من زاوية لم يقرأها أحد ، حيث أكد بأن الصفقة لن تتم لسبب بسيط : أن إسرائيل ستدمر الصواريخ قبل أو أثناء نصبها ، وهو ما نقله نتنياهو لبوتين ، حينما شدد على أن الخبراء الروس الذين سيتعاملون مع هذه الصواريخ سيكونون في خطر ، وإن على روسيا أن تعلم أن قصف الصواريخ لا يعني قصف المستشارين : " كوننا ندافع عن أمننا القومي " وفق الموقع المذكور ، الأمر الذي أغضب بوتين فرجع نتنياهو غاضبا هو الآخر إلى تل أبيب ، حيث علل الموقع الأمر بأن الروس يعلمون بأن كفاءة صواريخهم مشكوك فيها ، وأن بإمكان إسرائيل تعطيل منظومة راداراتها ، كما فعلت في قصفها لمواقع حساسة في جبل قاسيون منذ أسابيع رغم نصب أحدث الرادارات الروسية ، وإن الروس ، وليحافظوا على ماء وجههم في حال تدمير الصواريخ ، فإنهم لن يسلموها للأسد " .

من أجل ذلك ، فإن روسيا تعلم ، بأنها تستطيع أن تعربد في الشيشان وتسوي جروزني بالأرض ، والمدن السورية بالتراب ، وتستطيع أن تكون لها اليد الطولى مع دول نامية ، ولكنها تعرف أن التكنولوجيا العسكرية الروسية ، قاصرة أمام تكنولوجيا الحرب الأمريكية التي تتسلح إسرائيل بها وآخرها طائرات أف 35 ، وتعلم روسيا أيضا ، أن طائرات " الميج " التي لديها لا تستطيع الطيران ليلا ، وبإمكان بعضها ذلك ولكن مع وجود مخاطر حقيقية ، ولم يسبق أن سمعنا عن غارة شنها نظام الأسد في الليل كما فعلت إسرائيل في الثالثة فجرا ، دون أن ننسى كيف أن الجزائر أرجعت مؤخرا إلى الروس 9 طائرات ميج 29 لوجود أخطاء قاتلة فيها .

روسيا ، التي تقود حربا لا هوادة فيها على الشعب السوري ، والتي زودت قوات الأسد بقنابل فراغية لقصف القصير والغوطة وغدا " داريا " وخلافها ، مستعدة أن تقف ذليلة تحمل المناديل أمام بوابة القنيطرة من خلال عرض لا توافق عليه إسرائيل بالضرورة ، لأنها تدرك حجمها في ميزان قوة التكنولوجيا العسكرية ، ولكن " همالة " الغرب ( لا أقول العرب المعروفة همالتهم بالسليقة ) الذي " يتسلى " ويسهر ويسكر على مشاهد القتل والإغتصاب في سوريا ، هو ذاته الغرب الذي ضغط لوقف المساعدات عن الثوار ، وإغلاق الحدود بوجه الجرحى ، بغية إنجاح " جنيف 2 " الذي ينافح عنه الأمريكان لأن " أوباما " يعاني ضائقة اقتصادية ، وغير وارد أبدا أن يخوض صراعات مسلحة خارج حدود الولايات المتحدة حتى الآن على الأقل ، والسبب بسيط ، وهو أن الإعلام الأمريكي لا يغطي مذابح سوريا إلا يسيرا ، ولعل ذلك هوالسبب الرئيس من حيث إنه لا ضغوط شعبية على أوباما البتة ، وأكبر دليل على ذلك ، هو أن حجم التبرعات التي جمعت في الولايات المتحدة كلها للشعب السوري بواسطة منظمات إنسانية لا يتعدى 150 ألف دولار وفق تقرير " أوكسفام " الأخير الذي يضم جمعيات إنسانية متعددة في 90 دولة في العالم منها الولايات المتحدة طبعا ، في حين جمعت المنظمة 3 ملايين لفيضانات باكستان ، ولزلزال هاييتي 29 مليونا ، وهي أرقام موجودة في موقع المنظمة التي تنشط في مجال الدعم الإنساني عبر العالم ، بما فيه العالم العربي الذي دخلته منذ خمسينيات القرن الماضي ، والرقم أعلاه ، لو استثنينا الدعم الرسمي البالغ 230 مليونا مخصصة للدعم الإنساني غير المسلح ويدفع للحكومات وليس لممثلي اللاجئين في الأغلب ، مما يجعله رقما هامشيا : فإن الـ 150 ألف دولار المذكورة أمثلة موجودة في موقع المنظمة . مؤشر مخيف على غياب الإعلام الذي يغطي ما يجري في سوريا على الساحة الأمريكية ، فكيف سيبدل أوباما ويغير ويتخذ مواقف تتناسب مع المبادئ الأمريكية التي طالما تغنى بها وهو يصمت وينكر حتى استخدام الكيماوي تحت مقولة : " ما من شاف ولا من دري " ، وأسأل : كيف ستكون أرقام المساعدات لو نقلت مشاهد الإغتصاب والقتل والتعذيب والهدم والردم وذبح الأطفال أمام أمهاتهم ، فهل سيقف الأمر عند مئات الملايين ، أم سيتعدى ذلك إلى إلزام أوباما شعبيا بالتحرك وفورا لإنقاذ السوريين الذين قتل الأسد منهم 100 ألف وفق تقارير أممية ، ناهيك عن مئات آلاف المفقودين ، وشرد منهم 6 ملايين داخل سوريا ، ومليونا ونصف المليون خارجها ، بالإضافة إلى مئات آلاف الجرحى ، والمعوقين والرازحين في السجون تحت التعذيب والقتل وبسلاح روسي حاقد .

إنه ما كان للقصير أن تسقط في أيدي عصابات حزب الله ، لولا ما كشفته تقارير عن أنه لم تقع مواجهات مباشرة مع الثوار ، خاصة بعد دحر كل هجوم شنه الحزب على المدينة المحاصرة ، والتي قصفت على مدار 19 يوما بلياليها ، بل بسبب القذائف " الفراغية " المحرمة أصلا ، والتي يقول خبراء إنها تسحب الهواء من المكان فينفجر كل شيء ، وهو سلاح زودت به روسيا النظام لأول مرة ، دون أن نسمع من البيت الأبيض سوى طلب باهت بضرورة سحب مقاتلي الحزب من القصير ، وفك حصار البلدة التي لا تتجاوز ثلاثة كيلو مترات مربعة ، وزع حزب الله على سقوطها الحلوى في الضاحية الجنوبية من بيروت ، والحكومة الإيرانية هنأت بـ " الفتح العظيم " ، متناسيا - الحزب المنتصر بكل وقاحة - كيف أنه فر من " بنت جبيل " في العام 2006 تاركا المدينة وحدها فعربدت فيها إسرائيل إلى أن وافق الحزب مرغما على قرار مجلس الأمن رقم 1701 حيث طرد حزب الله بموجبه شمال نهر الليطاني ،ولا زال مطرودا إلى الآن .

لقد قطعت المساعدات عن الثوار ، وقطعت الذخيرة والسلاح وأغلقت الحدود كلها ، ونشر المالكي في العراق ما يقرب من 35 ألف جندي على طول الحدود منعا لتسلل المقاتلين أو انسحابهم وفق خطة طبخت في إيران ودعمت ماليا من نفط العراق ، وسُلحت من روسيا ، وكل ذلك من أجل الضغط على الثورة لتقبل بالخيارات التي يطرحها بوتين وخامنئي ، متناسية - هذه الأطراف - أن السوريين جميعهم حملوا السلاح ، وأن الذي يخسر معركة ، لا يعني أبدا أنه خسر الحرب .

لقد رفع السوريون في مظاهرات الجمعة الفائتة في عموم سوريا هذه العبارة : " القصير والغوطة .. إرادة لن تنكسر " .

هي رسالة على هيئة " نبوءة " تخبر بما بعدها ، ليس لو وزع حزب الله مقاتليه على عموم سوريا ، بل لو جيء بالحرس الثوري كله وبسلاح روسيا الإتحادية جميعه ، فإن شعبا غرس آلاف الشهداء في أرض سوريا الندية ، لن يجني إلا النصر المؤزر ، وواهم من اعتقد سواه .

إسألوا التاريخ !.

د.فطين البداد

 fateen@jbcgroup.tv