فلسطين: علم بلا دولة
يعتقد المتشائمون أن عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ماتت. غير أن الأقل تشاؤماً يرون أنها تدور في حلقة مفرغة. ولكن حتى قلة المتفائلين تعترف بحقيقة أن اسرائيل تمكنت حتى الآن من فرض الحدود التي تراها مناسبة لدولة الفلسطينيين. خارج الجدار تصير المدن والقرى في الضفة الغربية كأنها "معازل"، وفي غزة يتحدثون عن "سجن كبير".
هذا وضع غير قابل للاستمرار. بل ان الأحداث الأخيرة في مدينة القدس القديمة والمواجهات في باحة المسجد الأقصى تدل على أن فتيل الانفجار يمكن أن يشتعل بأي شرارة.
بصرف النظر عن التمنيات. لم يتمكن الفلسطينيون من تجاوز حال البؤس في حياتهم وحال اليأس من الحلول التي تقترح عليهم. يرزحون تحت قوة قاهرة. لعل أكثر ما يقهرهم هو أن الدول العربية - في ذروة عنفوانها - لم تفعل أكثر من النفخ على الجروح. أعطوا جوزاً فارغاً وكلاماً أجوف من الأقرباء والأشقاء والأصدقاء. لم يبق لهم من الإرث العربي سوى مبادرة سلام أطلقت من بيروت قبل ١٣ سنة. بيد أن القرار في شأن استمرارها - يعترف كثيرون - ليس قراراً عربياً صرفاً. لا بد من الاعتراف أيضاً بأن حال المبادرات التي أطلقتها الولايات المتحدة ليست أفضل. أخفقت في الاضطلاع بدور "الوسيط النزيه". تمسكت طويلاً باحتكارها رعاية عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لم تنجح حتى إدارة الرئيس باراك أوباما في فك عقدة التدخل الإسرائيلي في الشؤون الأميركية. اسرائيل لا تزال شأناً داخلياً في الولايات المتحدة على رغم اعتقاد بعض الأميركيين أن هذه الصورة النمطية آخذة بالاضمحلال.
لا يزال الرئيس الفلسطيني محمود عباس متمسكاً بحلّ الدولتين. لكنه لم ينل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سوى الخيبة تلو الخيبة. في العادة تقوم الدول وتنشىء رموزها. غير أن صانع اتفاق أوسلو نجح خلال السنوات الاخيرة في تحقيق رموز دولة غير موجودة بعد. اتخذ خطوات رمزية ناجحة. ينبغي عدم الاستهانة بتمكن الفلسطينيين من انتزاع اعتراف المجتمع الدولي بفلسطين دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة. لا يجوز تالياً الاستهتار بقدرتهم على الانضمام الى المنظمات الدولية والدخول في المعاهدات والاتفاقات الدولية. حان وقت رفع علم فلسطين بين أعلام الدول.
لا يزال الفلسطينيون يكافحون من أجل الحصول على دولة على رغم أنها تبدو كأنها ضرب خيال. ولكن قبل أن يتحوّل حلّ الدولتين سراباً، يحاول الفرنسيون - بدعم أوروبي خجول - إنهاء هذه الدوامة. يندفعون الى مبادرة جديدة لإنشاء مجموعة دعم دولية تضم أعضاء الرباعية ودولاً عربية وأوروبية رئيسية، في محاولة لتأكيد تعلق المجتمع الدولي بحل الدولتين.
أشاع الآباء المؤسسون لدولة اسرائيل خرافة أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب وأن اليهود كانوا شعباً بلا أرض. الفلسطينيون ليسوا خرافة. موجودون هناك، وسيكون لهم علم بلا دولة مثلما هناك شعب بلا دولة.
(المصدر: النهار 2015-09-21)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews