تحليل تداعيات رفع معدلات الفائدة

مع احتدام الجدال حول ما إذا كان مصرف الاحتياطي الفيدرالي سيقدم على رفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، يجد كل جانب نفسه مضطرًا إلى إقرار ما يطلق عليه «حلول متطرفة»، ويبدو كل جانب متشبثًا بموقفه بصورة متزايدة. في الواقع، يمكن تفهم هذا الموقف بالنظر إلى شدة الطلب على إجابة قاطعة، إلا أنه لسوء الحظ يبدي الجانبان فشلهما في الأخذ في الاعتبار بعض الاعتبارات الأوسع التي يمكنها إثارة علامات استفهام حول أية اعتقادات جازمة.

على المستوى الأبسط من التحليل، هناك ميل بنسبة 6 إلى 40 لصالح إصدار قرار بالشروع في عملية تطبيع لسعر الفائدة خلال اجتماع لجنة السوق المفتوحة التابعة لمصرف الاحتياطي الفيدرالي، والمقرر عقده يومي 16 و17 من الشهر الحالي.

وتعكس نسبة الـ60 في المائة تحسن الظروف الاقتصادية على الصعيد الأميركي الداخلي، الذي يمثل محور اهتمام مصرف الاحتياطي الفيدرالي. وتتسم جهود خلق الوظائف في الوقت الراهن بالنشاط، في الوقت الذي تتزايد فيه بالتدريج ضغوط الأجور. كما نجحت محركات النمو الاقتصادي من استعادة عافيتها في أعقاب بداية مخيبة للآمال هذا العام.

أما نسبة الـ40 في المائة فتعكس الإطار العالمي الذي يعمل الاقتصاد والأسواق الأميركية خلاله. وقد اتسمت هذه البيئة بالسيولة خلال الأسابيع الأخيرة، ويبدي مسؤولو «الاحتياطي الفيدرالي» ترددًا يمكن تفهم أسبابه إزاء الاضطلاع بأي إجراء قد يفاقم حالة الفوضى.

والملاحظ أن تقريبًا كل اقتصاد ناشئ مهم يشهد تباطؤًا، بينما تناضل أوروبا واليابان لتحقيق إمكانية نمو. كما أن التقلبات المالية في تزايد، في الوقت الذي تمر سوقان على الأقل - النفط وعملات الأسواق الناشئة - بحالة من انعدام التوازن تثير تقلبات على أصعدة أخرى.

علاوة على ذلك، فإن المخاوف الملحة الكبرى بخصوص غياب الاستقرار الاقتصادي والمالي تحولت من أوروبا والولايات المتحدة إلى الدول الناشئة، في الوقت الذي تبدي الأسواق ثقة أقل بكثير في قدرة المسؤولين هناك على تحقيق التوازن. وتفاقم هذا الوضع جراء التردد غير المعتاد الذي أبدته الصين وسياساتها غير المتسقة بعضها مع بعض.

إلا أن هذه الحسابات فشلت في أن تضع في اعتبارها الضرر المحتمل إذا اتخذ «الاحتياطي الفيدرالي» القرار الخطأ، بمعنى أن رفع أسعار الفائدة بشدة قد يتضح أنها السياسة الصائبة في الوقت الخطأ. في الواقع، إن احتمالات نجاح القرار على كل من الطرفين تصبح أكثر توازنا عند الأخذ في الاعتبار الاحتمالات الممكنة لمثل هذا الخطأ في السياسات.

من ناحية، بعد أن انتظر بالفعل لفترة طويلة للغاية كي يبدأ في دفع أسعار الفائدة نحو دورة ارتفاع، يجب أن يدرس «الاحتياطي الفيدرالي» ما إذا كان التأجيل يحمل مزيدًا من المخاطر بجانب الأضرار والتداعيات غير المقصودة التي ترتبت على الانفصال الواسع وطويل الأمد بين أسعار الأصول المالية والأسس الاقتصادية.

من ناحية أخرى، فإنه بالنظر إلى الفترة التي احتفظ خلالها مسؤولو المصارف المركزية بسياسات استثنائية خلال السنوات الأخيرة، فإن تكلفة الانتظار لفترة أطول قليلاً تبدو هينة مقارنة بالتداعيات المحتملة للوقوع في خطأ (مثل زيادة معدلات الفائدة على نحو يتسبب عن غير قصد بزعزعة الاستقرار على نحو يفرض ضغوطًا على الظروف المالية وتمتد تداعياته إلى مختلف جنبات الاقتصاديين الأميركي والعالمي، ما يزيد مخاطر خلق حلقة مفرغة).

منذ أشهر قليلة، دعوت إلى رفع أسعار الفائدة كجزء من سياسة شاملة لتحويل الأسواق بعيدًا عن الولع بتوقيت أول زيادة وباتجاه التركيز على النتيجة النهائية لما سيصبح أكثر دورات «التقييد الفضفاضة» في التاريخ الحديث لـ«الاحتياطي الفيدرالي»، إلا أنه عندما طرحت هذا الرأي كانت العوامل الداخلية والعالمية أفضل بكثير.

ورغم أنه لا يزال لدى «الاحتياطي الفيدرالي» أسباب داخلية قوية تدعوه لرفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل، فإنه لا يمكنه - ولا ينبغي عليه - تجاهل تردي الإطار العام الدولي. وإذا ما قمنا بتعديل الاحتمالات لتستوعب مخاطر الوقوع في خطأ، فإن الميل إلى تفضيل أن يتحلى «الاحتياطي الفيدرالي» بالصبر يصبح 51 إلى 49.

(المصدر: بولمبيرغ 2015-09-20)