ضوابط اللجان التجارية والصناعية
يعمل العشرات من اللجان التجارية والصناعية تحت مظلة الغرف التجارية المنتشرة في مختلف مناطق ومدن المملكة، وتسعى تلك اللجان إلى الدفاع بالدرجة الأولى من خلال أعضائها عن مصالح من تمثلهم حسب اختصاصها، ودون الخوض في تفاصيل ما تقوم به هذه اللجنة أو تلك، إلا أن مؤشرات لأعمال ونشاطات تلك اللجان المختلفة بدأ يظهر على السطح خلال الأعوام الأخيرة، قد يغلب عليها ما يشبه مقاومة ورفض تطبيق الأنظمة والإجراءات المتخذة من الجهات الحكومية الرسمية، وهو ما يتنافى تماما مع المبادئ والمسؤوليات التي ولدت تحت مظلتها تلك اللجان!
ليس هذا فحسب؛ بل قد تتمادى بعض تلك اللجان في الغرف التجارية في القيام بسلوكيات تتعارض تماما مع مواد حماية المنافسة، والتورط في تكريس ممارسات احتكارية تلحق الضرر بأطراف عديدة أخرى، وتتم كل تلك الممارسات المخالفة تحت مزاعم حماية مصالح من تمثلهم وفقا للنشاطات الاقتصادية المختلفة. هل نحن بحاجة إلى ضرب بعض الأمثلة على تلك الممارسات؟ لا بأس إذا كانت ستوضح الجزء الأهم من الصورة للقارئ الكريم عموما، ولصانع القرار على وجه الخصوص.
لننظر إلى ردة فعل اللجان العقارية في العديد من الغرف التجارية، تجاه الضوابط الحازمة التي اتخذتها مؤسسة النقد العربي السعودي لحماية القطاع المصرفي من انفراط حزمة القروض العقارية على الأفراد، وكيف أنها جندت كل قواها حتى تثني مؤسسة النقد عن هذا الدور المسؤول البالغ الأهمية لحماية مقدرات الاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى! في الوقت ذاته الذي تجاهلت تماما تلك اللجان العقارية كل التشوهات الخطيرة التي تكتظ بها رحم السوق العقارية، من احتكار للأراضي تسبب في تضخم فقاعة الأسعار، مرورا بارتفاع زخم المضاربات المحمومة على ما لا يتجاوز نسبته 10.0 في المائة من المساحات الشاسعة لتلك الأراضي داخل المدن والمحافظات، بل تمادت تلك اللجان إلى التشكيك في جدوى قرار مجلس الوزراء المتعلق بفرض الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي يستهدف بالدرجة الأولى فك قيود اكتناز واحتكار الأراضي، وحجبها عن الانتفاع والتطوير، ومنعا للآثار السلبية الخطيرة التي ترتبت على مثل تلك الممارسات الاحتكارية والمضاربات الهادفة فقط إلى المزايدة على الأسعار.
ولننظر أيضا لردة فعل اللجنة الوطنية لشركات الألبان، التي جندت كل قواها إعلاميا وعبر وسائل التواصل الاجتماعي للتصدي لقرارات وعقوبات وزارة التجارة والصناعة. ولو أردنا التوسع في ضرب العديد من الأمثلة على ما نحن بصدده هنا، لما انتهى رصدها في مئات المقالات، دع عنك مقالا قصيرا هنا.
إننا كما يبدو أمام خلط واضح وصريح بين الأدوار والمسؤوليات التي تعمل بموجبها تلك اللجان، التي لأجلها منحت التصريح لوجودها من الأصل! هذا من جانب، ومن جانب آخر ابتعاد تلك اللجان خارج دائرة تلك الأدوار والمسؤوليات، إلى الدرجة التي لم تعد مشاهدة على أرض الواقع، حتى وصلت بها الحالة إلى الاعتقاد أن تلك اللجان الفرعية في الغرف التجارية مخولة 100 في المائة للوقوف في وجه الأنظمة واللوائح التنفيذية الصادرة عن الجهاز الحكومي برمته! أرأينا الآن؛ إلى أي مدى وصلت حالة التضارب والشد والتجاذب بين أجهزة حكومية تؤدي واجباتها ومسؤولياتها المكلفة بها من الدولة من جانب، ومن جانب آخر مجرد لجان فرعية في غرف تجارية وصناعية، جميعها لم يكن لها أن توجد إلا بموافقة وإشراف تلك الجهات الحكومية المعنية!
الواقع الراهن؛ يثبت أن تلك اللجان الفرعية فقدت بوصلة اتجاهاتها الرئيسة، وفقدت أو انحرفت قبل ذلك عن الهدف الرئيس من وجودها، وأنها في الأصل لم تكن لتوجد إلا لأجل المساهمة في دعم البيئة التنافسية والتنظيمية محليا كل حسب النشاط الذي ينتسب إليه، والنهوض بنشاطاتها وفق المسارات المحددة لخدمة الاقتصاد الوطني، وتعزيز ركائز التنمية المستدامة والشاملة في البلاد، لا أن تمضي تائهة على غير هدى في طريق معاكس لكل ما تقدم، لتغرق في مستنقع الدفاع الضيق الأفق ـــ إن كان له أفق من الأصل ــ عن مصالح من تمثلهم فقط، حتى وإن أتى ذلك على حساب مقدرات البلاد والعباد على حد سواء.
قياسا على ما تقدم، ووفقا لما وصلت إليه حال تلك اللجان الفرعية من انحراف كبير وخطير عن الأهداف والأدوار التي لأجلها حصرا سمح لها بالوجود، وتفاقم أشكال التضارب والتعارض التي وصلت إليه مع جهود الإصلاح والتطوير والتقدم التي تتخذها الأجهزة الحكومية، أصبح لزاما إعادة النظر في عمل تلك اللجان الفرعية، وضرورة إعادتها إلى جادة الصواب، وأهمية تحديد أدوارها ومسؤولياتها بمزيد من الحزم والصرامة، لتأتي في الاتجاه الذي يعزز من الاستقرار الاقتصادي، ويوطد من ركائز التنمية المستدامة والشاملة، والتحذير من اتساع الهوة الراهنة بين عمل وممارسات تلك اللجان الفرعية من جهة، ومن جهة أخرى ما تقوم به الأجهزة الحكومية من إجراءات وقرارات تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني والمجتمع، وأن تجاهل التصدي لتلك الهوة الآخذة في الاتساع والتمدد، ستأتي عواقبه وخيمة وأكثر خطورة مما نشهده في الوقت الراهن، وهو ما لا أحد يقبل أن يدفع ثمنه على حساب مقدراتنا ومكتسباتنا الكلية.
إنها المهمة الوطنية التي أرجو أن يتصدى لها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية على وجه السرعة، وهو الفريق النابض بالحيوية والأكثر أهلية لتولي شؤون هذا الملف الحيوي، والخروج من ثم بآلية معالجة حاسمة ونافذة، تعيد الأمور إلى نصابها القويم، وبما يحافظ على مقدرات اقتصادنا الوطني من أية ممارسات مخالفة مهما كان وزن أو حجم من يقف خلفها. والله ولي التوفيق.
(المصدر: الاقتصادية 2015-09-19)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews