تباين التوقعات يغذي تقلبات أسعار النفط
تقلبات المؤشرات الاقتصادية الكلية (Macroeconomic) تبقي أسعار النفط بين مد وجزر. في الدول النامية، خسائر بورصة شنغهاي أثارت مخاوف أسواق الطاقة من أن اقتصاد الصين، التي تعد أكبر اقتصاد نام في العالم وأكبر مستورد صاف للنفط الخام والمنتجات، قد يتباطأ. في الوقت نفسه، استمرت الولايات المتحدة في الاندفاع قدما، مع مراجعات تصاعدية قوية لنموها الاقتصادي في الربع الثاني من العام. هذان العاملان يسهمان في تعكير مؤشرات الأسهم الرئيسية ويلعبان دورا مهما في التقلبات السريعة التي شهدتها العقود الآجلة للنفط أخيرا.
مع تأثير انهيار الأسعار في إنتاج النفط الصخري الذي يستغرق وقتا أطول مما كان يعتقد من قبل، أصبح الاهتمام منصبا بصورة متزايدة على نمو الطلب للحد من الفائض الحالي في إمدادات النفط الخام. وهذا يعني أن البيانات والمؤشرات التي قد تغير من توقعات نمو الطلب سوف تفحص بشكل دقيق، حيث إن التوقعات المتباينة الآن تغذي التقلبات السريعة في أسواق النفط.
على سبيل المثال، انخفاض بيانات التصنيع الشهرية في الصين أخيرا حتى لو أدت فعلا إلى انخفاض الطلب، إلا أنها لم تكن تؤخذ بنظر الاعتبار كثيرا، على الأقل عندما تعلق الأمر بأسعار النفط. ولكن بعد الفوضى العارمة التي عصفت بأسواق المال العالمية أخيرا، جعلت تجار النفط يحللون هذه المعلومات الآن باهتمام أكثر. في شهر آب (أغسطس) أغلقت أسواق النفط بضجة كبيرة، حيث في ثلاث جلسات تداول متتالية ارتفع خام برنت نحو 25 في المائة من أدنى مستوى وصل إليه في ست سنوات ونصف عند 44 دولارا للبرميل. شهدت الأيام الأولى من شهر أيلول (سبتمبر) الجاري تراجع خام برنت القياسي بنحو أربعة دولارات للبرميل في جلسة تداول واحدة، ليعود ليرتفع بسرعة بعد ذلك – لكن مع تقلبات شديدة. وفي ساعة كتابة هذا المقال يتم تداول خام برنت قرب 49 دولارا للبرميل.
لا يزال أداء الطلب العالمي على النفط جيدا، حيث ارتفع بنحو مليوني برميل في اليوم في الشهر الماضي على أساس سنوي. على الرغم من المشاكل في أسواق الأسهم الصينية، إلا أن استهلاك النفط في الصين لا يزال ينمو بمعدل 5 في المائة، في حين أن الولايات المتحدة لا تزال المحرك الرئيسي للاستهلاك في الدول المتقدمة، حيث ارتفع الطلب فيها بنسبة 3 في المائة إلى 19.9 مليون برميل في اليوم. هذا النمو يعتبر قويا، لكنه ليس كافيا لسد الفجوة مع فائض الإمدادات، الذي عاد وارتفع في شهر آب (أغسطس) إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم من نحو 1.9 مليون برميل في اليوم في تموز (يوليو).
في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لا تزال الولايات المتحدة المحرك الرئيسي لنمو الطلب. حيث إن الطلب فيها نمى بحدود 500 ألف برميل في اليوم في هذا العام حتى نهاية شهر آب (أغسطس)، وهو ما يمثل تقريبا معظم متوسط نمو الطلب في دول منظمة التعاون البالغ نحو 675 ألف برميل في اليوم للفترة نفسها. بالتأكيد انخفاض أسعار النفط كان له دور في تشجيع الاستهلاك، ولكن موضوع النمو الاقتصادي لا يزال يلعب دورا كبيرا. حيث رفعت وزارة التجارة الأمريكية تقديراتها من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني إلى 3.7 في المائة ارتفاعا من أرقامها السابقة البالغة 2.3 في المائة، في الوقت نفسه لا تزال تتم إضافة نحو 200 ألف وظيفة كل شهر، في الوقت نفسه مبيعات الشاحنات الخفيفة آخذة في الارتفاع.
لكن صناع القرار في أمريكا قلقون من الاتجاه المعاكس في الخارج، ملمحين إلى وجود اتجاه خفي من الضعف. بعد اضطرابات أسواق المال في الصين، ألمح مسؤولون في مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي (Fed) إلى أنهم قد يحجمون عن رفع سعر الفائدة المرتقب يوم غد 17 أيلول (سبتمبر) كما كان مقررا. من الناحية النظرية، الدولار الرخيص مفيد للصناعة النفطية، وأسعار فائدة قريبة من الصفر ونمو عال في الطلب قد يبدو جيدا، إذا لم يوح هذا بقلق عال بخصوص الاقتصاد العالمي الهش والصين باعتبارها محور النمو. مع فائض الإمدادات من المتوقع الآن أن يمتد إلى عام 2016، هذا يضع مزيدا من التركيز على توقعات نمو الطلب في العام المقبل، التي إلى حد كبير من المرجح أن تكون أقل من عام 2015.
بعد ارتفاع أسعار برنت بنحو 11 دولارا للبرميل في جلسات التداول الثلاث الأخيرة من شهر آب (أغسطس)، وجدت أسواق النفط نفسها مرة أخرى في موقف دفاعي. عندما ارتفعت الأسعار، سارع المحللون إلى التحذير من أن هذا الاتجاه هو تعاف مؤقت، وليس تحولا في الأساسيات، حيث إن العرض لا يزال يتفوق على الطلب. وحدوث توازن في الأسواق ليس متوقعا حتى وقت لاحق في عام 2016، مع ثبات العوامل الأخرى، ولكن حتى لو انخفضت الإمدادات بشكل أسرع من المتوقع، يجب أيضا خفض المخزون النفطي الذي تم بناؤه خلال العام الماضي.
من ناحية العرض، تشير الأرقام الأولية إلى أن إنتاج نفط دول "أوبك" تجاوز حاجز 32 مليون برميل في اليوم في شهر آب (أغسطس)، على الرغم من أن إنتاج شمال العراق واجه بعض الصعوبات، ذلك أن باقي المنتجين في منطقة الخليج العربي يعتقد أنهم قد حققوا بعض المكاسب في الإنتاج.
في حين الإنتاج من خارج "أوبك" ارتفع بصورة متواضعة بحدود 75 ألف برميل في اليوم في الشهر الماضي، نتيجة لعدد من المكاسب الصغيرة نسبيا، فقط كندا شهدت ارتفاعا كبيرا مدعوما ببدء الإنتاج من بعض مشاريع الرمال النفطية الجديدة في ألبرتا. في الولايات المتحدة استمر النمو في الموجب ولكن كان صغيرا، وكذلك الحال في البرازيل، في حين يعتقد أن أداء كولومبيا كان جيدا في شهر آب (أغسطس). على الجانب السلبي، البيانات الأولية لروسيا أظهرت انخفاضا بحدود 140 ألف برميل في اليوم والصين بحدود 65 ألف برميل في اليوم ويرجع ذلك جزئيا إلى تنقيحات تصاعدية في الأشهر السابقة. في الوقت نفسه، الصيانة الموسمية في شهر آب (أغسطس) أدت إلى انخفاض إنتاج بحر الشمال في المملكة المتحدة بنحو 60 ألف برميل في اليوم، وخسرت المكسيك نحو 30 ألف برميل في اليوم بعد أن سجلت ارتفاعات في شهري تموز (يوليو) وحزيران (يونيو).
(المصدر: الاقتصادية 2015-09-16)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews