حراك مدني يخدم الانقسام السياسي
وافق مجلس الوزراء على الخطة التي اقترحها الوزير أكرم شهيب لمعالجة قضية النفايات، لكن الحراك المدني رفضها. ويمكن المراهنة سلفاً على أنه سيرفض أي خطة. لماذا؟ لأن الحراك تسيّس، والمفارقة أن من يطالبونه بعدم التسيّس هم الذين يدفعونه اليه، على الرغم منه بإرسال المندسّين لافتعال مواجهة مع القوى الأمنية، أو بعلمه من خلال الضغط لتغيير شعاراته وفرض استثناءات من صوَرها. نعم، يحظى الحراك بتأييد شعبي، بعدما طفح الكيل ومسّت الحاجة الى مَن يرفع صوته ليقول للجميع "كفى يعني كفى" و"كلّكن يعني كلّكن". غير أن التظاهرات الموجّهة، مبدئياً، ضد الحكومة بمجملها، تلقّفها فريق لتوظيفها ضد الفريق الآخر، فصار مع المتظاهرين ضد الحكومة كما لو أنه هو نفسه في صفوف المعارضة وليس له ممثلون الى طاولة مجلس الوزراء.
عندما تحدّث الرئيس تمام سلام في بدايات الحراك، كمدنيٍّ يخاطب مدنيين، وكمسؤول يريد تلبية مطالب المجتمع، كانت مداخلته مساهمة مع التظاهرات في كشف أين توجد السلطة حقاً وفعلاً. إنها في أيدي مَن يعطّلونها، لشروط وأسباب باتت معروفة ومكرورة (فرض المرشح الأوحد رئيساً، تعيين الصهر قائداً للجيش أو ترقيته وتسليمه فوجاً بإمرته...). فهؤلاء موجودون في الحكومة ومتكفّلون بإفشالها وعرقلتها، لا ليتحمّلوا المسؤولية معها ويعطوا زخماً لفاعليتها، بل ليفرضوا عليها أجندتهم السياسية. وهؤلاء يدّعون اليوم أنهم مع الحراك المدني، بل يحذّرونه من "الانقسام"، فيما هم يتصرّفون وكأن الحراك طوع أصابعهم يستخدمونه لطرح مطالبهم لـ "التغيير" وللضغط على حكومة هم "شركاء" فيها.
لا شك في أن هناك جزءاً من الحراك مدني فعلاً، لكنه لا ينفكّ يتهمّش بفعل "الحملات" التي تفرّخها الماكينات الحزبية يومياً لتصبح مجرّد "شغل سياسي" مبطّن، وأي شغل سياسي مرتبط باللعبة الطائفية - أليست أقدم أحزاب "اليسار" تعيش بتمويل من "حزب الله"، وماذا عن "سرايا زعران المقاومة" التي سجّل لها ظهورٌ في التظاهرات؟ وحتى، مع التسليم بحسن النيات لدى الجميع (بمن فيهم مَن ذهبوا للاعتداء على مطاعم!)، أصبح مجهولاً أين "مدنية" هذا الحراك، إذ يتأكد أكثر فأكثر أن المستفيد الوحيد منه هو الجناح "الأسود - البرتقالي" في الحكومة، أي جناح أعداء الدولة الذين ينادون بـ "إلغاء الطائفية" ويستقوون بـ "سلاح المقاومة" للمطالبة بـ "حقوق" طوائفهم.
خلافاً لأي ادّعاء، من الواضح أنه لم يكن للحراك المعبّر عن نقمة الشعب أي أثر في تحريك مواقف المتحاورين في مجلس النواب. وقد يتأكد ذلك بانتهاء الجولة الثانية من هذا الحوار. فأقطاب السياسة مختلفون على استحقاقات دستورية، لكنهم يغطّونه بالنفايات التي يختلفون أيضاً على حل مشكلتها. هل يعني ذلك أن لا جدوى من الحراك؟ بالعكس، لكن الأَولَى أن يوجّه كلّه لكسر هذا الاستعصاء الحكومي والسياسي.
(المصدر: النهار 2015-09-16)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews