التصميم الروسي .. والتردد الأميركي بالشأن السوري
ضبابية كثيفة تسود منطقتنا ومحيطها، من متغيرات واتفاقيات وطبخات وتحالفات لا أول لها ولا آخر من مع "داعش" ومن يحاربها، ولا وجود لخارطة طريق عن ما يجري من أحداث، وإلى أين، وما مصير المنطقة، فالموقف الروسي واضح وثابت من الأزمة السورية، ودعمه لنظام الرئيس بشار الأسد، بينما موقف الولايات المتحدة متذبذب ومتقلب، يتحول بين الحين والآخر، وكان جل اهتمامها تمرير اتفاقية النووي الإيراني، وغض الطرف عن القضايا الأخرى، ففي بداية الأزمة السورية، وبينما حددت ساعة الصفر لعمل عسكري أميركي-فرنسي في سورية، تراجعت الولايات المتحدة بعد توصلها لاتفاق على إخراج الأسلحة الكيماوية من مستودعات الجيش السوري، مما يتضح أن همها مصلحة إسرائيل، وعيون إسرائيل، إذ أن إخراج الكيماوي كان مطلباً إسرائيلياً، ومع أنه تم لها ذلك-رغم أن خبراء غربيين يؤكدون بقاء كميات من الكيماوي في سورية- تراجعت الولايات المتحدة عن تهديداتها بتوجيه ضربة عسكرية لسورية، أو اهتمامها بالمصائب الجارية فيها، وقد يكون ذلك مطلباً إسرائيلياً، بإبقاء الفوضى والاقتتال تعم بين السوريين، بل وتدمير سوريا مما يسمح بتحطيم الجبهة الشرقية نهائياً.
وجاء في بيان أميركي-تركي مشترك في مطلع آب الجاري، أن بطاريات الصواريخ "باتريوت" التي أرسلت إلى تركيا عام (2013) لحمايتها من صواريخ "الأسد"، ستعاد إلى الولايات المتحدة في شهر تشرين الأول "2015"، كما أن الولايات المتحدة تنوي سحب بطاريات صواريخ "باتريوت" من الحدود الأردنية أيضاً، وكان التفسير الأميركي لهذه الإجراءات، عدم وجود تهديدات على تركيا أو الأردن، وكان الاعتقاد من خلال هذه الإجراءات، وجود طبخة وتنسيق أميركي-روسي لإحلال الأمن في هذه المنطقة، فهناك تردد أميركي بين الحسم العسكري، وبين الحل السياسي، بكل ما يتعلق بالأزمة السورية، فالتحرك الأميركي والغربي من هذه الأزمة لفظي، ويكتفون بالقول بأن "الأسد" فقد شرعيته، كذلك تردد بالنسبة للمناطق العازلة، بينما الموقف الروسي المناصر لـ "الأسد"، ثابت دون تغيير، والدليل على ذلك، التقارير التي أشارت، إلى تعزيز الوجود الروسي العسكري في سورية، لدعم الجيش السوري، فهل هذا ضمن اتفاق أميركي-روسي؟ وهل هو لمحاربة "داعش" كما يقول الروس؟ أم أنه يندرج في التنافس الروسي-الإيراني على السيطرة وإبقاء الأسد في الحكم على سورية، ولمن تكون الكلمة الأولى والأخيرة بالشأن السوري، وهل هناك علاقة ما بين إخلاء صواريخ "الباتريوت" من الحدود التركية، والحدود الأردنية ووصول القطار الجوي الروسي إلى سورية المدجج بالأسلحة المختلفة.
التقارير المكثفة عن إرسال موسكو مظليين إلى سورية، من أجل مقاتلة "داعش"، التي دفعت بقواتها في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي، لمهاجمة واحتلال أجزاء من حي القدم جنوب دمشق، واقترابهم من وسط العاصمة، من شانه التسريع بوصول المظليين الروس، والقطار الجوي من الأسلحة، فروسيا ليست على استعداد لتعريض النظام السوري للانهيار، وسيطرة "داعش" أو غيرها على دمشق، إذ أن سورية تعتبر الموقع الأخير لإقدام الروس في الشرق الأوسط، وحسب التقارير، فإن نقاشات حول زيادة التدخل الروسي في سورية، نوقشت مؤخراً في اللجنة الروسية-السورية العسكرية، التي تشكلت قبل أشهر، والتي تعمل لتنسيق الخطوات الروسية-السورية، بينما تعمل غرفة عمليات أميركية، لتنسيق العمليات في جنوب سورية، وتفيد المعلومات أن خلافات ظهرت بين القيادة الأميركية الوسطى، وجبهات المقاومة السورية ومنها جبهة النصرة، حيث لا تريد القيادة الأميركية التعاون مع النصرة، بينما تعتبر الفصائل الأخرى أنه دون جبهة النصرة، لا يمكن التغلب على قوات الأسد وحزب الله.
من الجهة الأخرى، فإن للروس برنامجهم، ويعملون على تنفيذه خطوة بعد أخرى، فقد أرسلوا حسب المعلومات بتاريخ 18-8-2015، ست طائرات اعتراضيات حديثة من طراز "ميغ-31" إلى مطار المزة السوري، إضافة إلى طائرات نقل روسية عملاقة من طراز "انتونوف124 ت" محملة حسب ما يجري تداوله بألف صاروخ من نوع "كورونت 133M9” كما أن موسكو أرسلت فريقاً عسكرياً متقدماً إلى سورية، وأرسلت وحدات سكنية جاهزة لإسكان مئات من جنودها في منطقة اللاذقية، وتسليم سورية محطة محمولة لمراقبة الملاحة الجوية، وقيام الطائرات الروسية بنقل حمولات عسكرية مختلفة، ورغم إغلاق أجواء كل من تركيا واليونان وبلغاريا أمامها فإن بإمكانها المرور عبر إيران والعراق لنقل الأسلحة لسورية، رغم أنها تستغرق مسافة وزمناً أطول من الممرات السابقة، وذكر "ملف ديفكه الإسرائيلي بتاريخ 8-9-2015"، أن أكبر غواصة روسية نووية في العالم –"ديمتري دينكوي 208TK"- والتي تحمل (20) صاروخاً نووياً عابراً للقارات، وتحمل مائتي رأس نووي، تشق طريقها إلى البحر المتوسط، حيث سترسو أمام الشواطئ السورية، ترافقها سفينتين حربيتين، وذلك خلال الأيام العشرة القادمة، ما يعني أن الاستعدادات العسكرية الروسية في سورية تصل إلى ذروتها، فإن التدخل الروسي يتحول من إنقاذ النظام السوري، في إطار الاتفاقية الروسية-الأميركية التي أشرنا إليها، مما يعني استبعاد مواجهة عسكرية روسية-أميركية، وجميع التصريحات والتهديدات الأميركية ما هي إلا تغطية على الاتفاق بين الجانبين أو أنها رسالة للقوات الأميركية بعدم السماح لها بالتدخل في عمليات القوات الروسية في سورية أو أنها ستقود المنطقة إلى المجهول، فأحد لا يعرف شيئاً عن النوايا الروسية العسكرية.
وحسب "فرانس برس 9-9-2015"، فإن روسيا تقوم بتزويد الجيش السوري بمختلف الأسلحة، وأن ثلاث طائرات هبطت في سورية على الأقل، اثنتان منها طائرات عملاقة، وأن روسيا قد تنشر ما لا يقل عن ألف مستشار عسكري، أو عسكريين في مطار اللاذقية، حتى أن النائب الروسي المعارض "ديمتري غودتوف"، العضو في مجلس الدوما (البرلمان) الروسي، وجه رسالة إلى الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، قائلاً:" أنه يتلقى العديد من رسائل المواطنين الروس القلقين من الأخبار حول مشاركة محتملة لجنود روس في المعارك الدائرة في سورية، وأضاف: أن وزارة الدفاع الروسية لم تنف هذه الأخبار، ولا تعلق عليها، مما يثير المزيد من القلق، والرئيس الروسي "بوتين"، لم ينف ما ورد من معلومات، لكنه يقول إن من المبكر الحديث عن مشاركة عسكرية روسية في الأحداث في سورية، بل أنه يدرس عدة خيارات.
هناك تحولاً كبيراً في العلاقات الروسية مع دمشق، طرأت مؤخراً في أعقاب حوار سري يجري في واشنطن وموسكو وطهران، من أجل إنقاذ الرئيس "بشار الأسد"، وإبقائه في السلطة، وأن واشنطن وموسكو، تشارك في هذه الاتصالات، كل من مسقط، والرياض، وطهران ودمشق، وأن هدف هذه الاتصالات –حسب المعلومات المتوفرة- توحيد قوى الولايات المتحدة وروسيا وإيران والسعودية ودول الخليج، من أجل محاربة "داعش" في سورية أولاً، إذن .... لماذا يعرب وزير الخارجية الأميركية "جون كيري" عن قلق واشنطن من التعزيزات العسكرية الروسية في سورية؟ فقد أبلغ "كيري" وزير الخارجية الروسية "سيرجي لافروف" في محادثة هاتفية، أن هذه التطورات قد تفاقم الحرب في سورية، وإذا صحت التقارير عن تزويد سورية بالأسلحة، والقول لـ "كيري"، فإن ذلك قد يفاقم النزاع، ويهدد بالمواجهة ويبعد الحل السياسي، معرباً-كيري- عن قلق بلاده.
كل ما يجري أصبح الشغل الشاغل لوسائل الإعلام العالمية، ليأتي وزير الإعلام السوري "عمران الزعبي" لينفي التقارير التي تحدثت عن تواجد قوات روسية في سورية أو وجود عمل عسكري روسي على الأراضي السورية وضخ الأسلحة الروسية بكثافة إليها، ففي مقابلة أجرتها معه قناة المنار التلفزيونية التابعة لحزب الله، قال الوزير: ليس هناك شيء من الذي يشاع عن أسلحة روسية، ووجود قوات روسيا لا براً، ولا جواً ولا بحراً، بينما هناك معلومات مؤكدة، أن هناك مطاراً خاصاً في منطقة اللاذقية، وميناءً خاصاً، بأسطولهم في ميناء طرطوس، وهناك تفاصيل كثيرة ستملأ وسائل الإعلام خلال الأيام القادمة، وخلاصة القول، فإن الولايات المتحدة وروسيا والدول الأخرى، التي تستغل الأزمة السورية تعمل وفقاً لمصالحها، أما العـرب –المنشغلون في أوضاعهم الداخلية- فإنهم غائبون عن المشهد، وكأن لا علاقة لهم بما يحدث، بل أنهم نيام كأهل الكهف، والسؤال: هل ستعود المنطقة إلى الحرب الباردة، لصالح الدول الكبرى، على حساب دول المنطقة؟ وماذا بالنسبة للمناورة الكبرى التي تجريها روسيا، بحضور الرئيس "بوتين"، والتي يشارك بها (100) ألف جندي، وسبعة آلاف مدرعة، ومئات الطائرات والمدفعية، فهل أننا أمام حروب كبيرة في المنطقة، وباعتقادنا أنه لا مصلحة لا لأميركا، ولا لروسيا في مواجهات عسكرية.
(المصدر: جي بي سي نيوز 2015-09-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews