شبهات الفساد تعطل خروج ماليزيا من فخ الدخل المتوسط
ماليزيا في وسط اضطراب سياسي هائل، لكن مخاوف البلاد لا تتوقف عند الفضيحة التي تؤثر في رئيس الوزراء، نجيب رزاق. ضعف أسعار النفط، وتباطؤ الاقتصاد الصيني، واحتمال ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، كل هذا يلحق الضرر بثالث أكبر اقتصاد في جنوب شرقي آسيا. فهل يمكن أن يكون هذا إعادة للأزمة المالية عام 1997؟
النقاد يصفون مثل هذا السيناريو بأنه مثير للقلق. في نواح كثيرة يبدو أن ماليزيا في وضع أفضل مما كانت عليه قبل الأزمة المالية الآسيوية الأخيرة. فهي تتمتع باستمرار بفوائض ثابتة في الحساب الجاري، على عكس ما كان لديها من عجز في الفترة التي سبقت عام 1997. واحتياطياتها من النقد الأجنبي، على الرغم من أنها مستنزفة، إلا أنها تقريبا ضعف ما يكفي لتغطية الصادرات لمدة أربعة أشهر، التي كانت لديها في عام 1996، العام الذي سبق الانخفاض الحاد في البات (العملة التايلاندية) الذي أثاره هروب رؤوس الأموال من جميع أنحاء آسيا. في ذلك الوقت ماليزيا لم تكن الأسوأ تضررا. ذلك الشرف كان من نصيب إندونيسيا. مع ذلك، تقلص اقتصاد ماليزيا أكثر من 6 في المائة عام 1998.
ماذا عن الوقت الحالي؟ من بين جميع الاقتصادات الآسيوية، ماليزيا تبدو الأكثر ضعفا. تقول مذكرة من الشركة الاستشارية، كابيتال إيكونوميكس: "المقارنات مع ما قبل 18 عاما ليست دقيقة تماما". جزء كبير من المشكلة بسبب النفط. معظم الاقتصادات الآسيوية هي من البلدان المستوردة للنفط بشكل صاف. وبالتالي فهي تستفيد عندما تنخفض أسعار النفط. لكن ليست هذه هي الحال في ماليزيا. على الرغم من أنها أكثر تنوعا مما كانت فيما مضى، إلا أنها لا تزال تتأثر سلبا بأسعار السلع الأساسية الضعيفة. يمثل النفط والغاز، إلى جانب زيت النخيل، 30 في المائة من الصادرات. وفي العام الماضي زود قطاع النفط والغاز ثلث الإيرادات الحكومية. وعلى الرغم من أن ماليزيا تدير فائضا في الحساب الجاري - بلغ نحو 2.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المنتهي في حزيران (يونيو) - إلا أنه كان ينخفض بسرعة. في عام 2008، كان بنسبة عالية تبلغ 17 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
يقول فريد نيومان، كبير مختصي اقتصاد آسيا في "إتش إس بي سي": "ماليزيا في مأزق الآن. فهي تعاني انكماش السلع الأساسية وتعتمد كثيرا على الائتمان". قبل عامين، كانت الاحتياطيات 3.7 مرة ضعف الديون الخارجية قصيرة الأجل. اليوم، تقلص ذلك إلى مرة واحدة. الاحتياطيات تنخفض بسرعة أكبر مما تستطيع أن تقول 1MDB (صندوق التنمية السيادي الذي يوجد في وسط فضيحة الفساد المزعومة). وبحلول منتصف آب (أغسطس) كانت الاحتياطيات 94.5 مليار دولار مقارنة بـ 106.4 مليار دولار في نهاية أيار (مايو). وهذا يعد علامة على جهود البنك المركزي الخرقاء للحؤول دون انخفاض الرينجيت. فشلت تلك الجهود وانخفضت العملة الماليزية إلى أدنى مستوياتها منذ 17 عاما، إلى 4.17 مقابل الدولار، ليس بعيدا عن المستوى البالغ 4.57 الذي وصلت إليه عام 1997 - والذي بعده فرضت الحكومة ضوابط جذرية على رأس المال. ويقول أحد المصرفيين الذين شعروا بالقلق: "لقد أنفقوا 12 مليار دولار من احتياطيات النقد الأجنبي خلال ستة أسابيع ولم يحققوا شيئا. من الواضح أن هذا أمر غير قابل للاستدامة".
وتعتمد ماليزيا على الائتمان للحفاظ على النمو. ووفقا لـ "إتش إس بي سي"، فإن إجمالي الديون، بما في ذلك ديون الأسر والشركات والدين العام، أعلى نسبيا مما هو في الصين وقد ارتفع بشكل أسرع. ديون الأسر وحدها تبلغ 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. في هذه الظروف سيكون من الرائع لو أن البنك المركزي يستطيع تخفيض أسعار الفائدة. لكنه على الأرجح سيرفعها للدفاع عن الرينجيت وإيقاف هروب رؤوس الأموال. ولأعوام عديدة كانت السندات الحكومية الماليزية بمنزلة أداة مفضلة لمديري الصناديق. وحافظت وكالة فيتش أخيرا على تصنيفها عند مستوى A للسندات السيادية وفاجأت بعضهم عندما رفعت مستوى توقعاتها من سلبية إلى مستقرة. لكن إذا أصبح حاملو السندات يشعرون بالتوتر، فقد يتجهون بسرعة إلى تسريع دوامة هابطة.
من المهم في مثل هذه الأوقات أن يكون المرء مدركا لما يفعل دون تشتيت ذهني. والحكومة التي تقاتل من أجل حياتها السياسية بعيدة عن ذلك تماما. نجيب الذي يواجه تساؤلات بشأن ما يقارب 700 مليون دولار وجدت في حسابه المصرفي الخاص، يشغل أيضا منصب وزير المالية. وهو ينكر ارتكاب أية مخالفات، لكن من يمكن أن يلومه لو كان مشتتا قليلا؟
من المهم أيضا وجود مؤسسات يمكن الوثوق بها. أداء ماليزيا ليس سيئا للغاية في التصنيفات الدولية. في مؤشر الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2014، جاءت في المرتبة 50 من أصل 175. مع ذلك، فضيحة صندوق التنمية السيادي 1MDB كشفت بعض العيوب. المدقق العام الذي يحقق مع رئيس الوزراء تم تجاهله. كذلك تم إيقاف قوة عمل تتولى تنسيق التحقيق عندما رقى نجيب أربعة من أعضائها. حتى البنك المركزي الذي يحظى عادة بالاحترام يواجه أسئلة بشأن إشرافه على نظام يزعم أن أموالا ضخمة، من أصل غامض، تسللت من خلاله مثل سفن تبحر بليل.
الشكوك بشأن النزاهة المؤسسية في ماليزيا لن تكون مفيدة في حال تعرضت لهجوم مضاربات. على المدى الطويل، الضعف المؤسسي يجعل من غير المحتمل أن تصل ماليزيا إلى حالة الدخل المرتفع التي تريدها بحلول عام 2020. لهذا السبب تحتاج إلى دعم استقلال ونزاهة مؤسساتها. حتى على افتراض أنها تجنبت حدوث أزمة، تتوقع كريستال تان، من شركة كابيتال إيكونوميكس، أن صورة المشاكل المؤسسية العميقة سوف تستمر في أذهان الناس. وهي لا تتوقع أن يسجل الاقتصاد نموا أكثر من 4 في المائة خلال العقد المقبل. إذا كانت محقة، سيمضي وقت طويل قبل أن تتمكن ماليزيا من تخليص نفسها من فخ الدخل المتوسط.
(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-09-07)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews