التايمز البريطانية
لا تشهد اوروبا في الايام الاخيرة ظاهرة جديدة مع وصول موجة الهجرة، اوروبا تشهد ما تمر به منذ سنين ـ ولكن فقط بحقن اعلى بكثير، ولعل في ذلك نوعا من «صفعة الواقع» الضرورية. فالاطفال السوريون الذين يغرقون، المجموعات من العراق أو من ليبيا ممن يريدون «حياة طيبة وعدم التعرض لمذبحة اخرى» – الكل يريد الهرب من اللظى في الدول العربية، حيث يذبح المدنيون في كل يوم على ايدي السلطة، الجماعات المتطرفة مثل «الدولة الإسلامية ـ داعش» او عصابات عنيفة تقتل وتغتصب على نحو مستمر.
يكفي النظر إلى بعض المدن المركزية في اوروبا كي نتأكد كم هي موجة الهجرة من سوريا ذات مغزى من ناحية الاوروبيين، الذين ليس في «محبتهم» للاجانب الفارين ما يمكن التباهي به. مارسيه في فرنسا مع نحو 35 في المئة مسلمين، برشلونة مع اكثر من 30 في المئة. بروكسل عاصمة الاتحاد الاوروبي، مالمو في السويد، روتردام وامستردام في هولندا ولوتن في انجلترا ـ كلها مع أكثر من 25 في المئة مسلمين. وهؤلاء فقط المهاجرون الشرعيون من الدول العربية. وتتحدث التقديرات عمليات عن معدلات اعلى بكثير. والى الوضع القائم ينبغي أن يضاف ارتفاع مستمر في الهجرة من الدول العربية ـ اليوم سوريا، امس تركيا والجزائر، إلى داخل اوروبا، ووتيرة الولادة لدى المهاجرين. حتى لو كان الحديث يدور عن معدل ادنى مما هو دارج في بلدانهم الاصلية، فان الخصوبة للام المسلمة لا تزال أعلى من الخصوبة الاوروبية السلبية في بعض منها. إذا ما أخذنا بريطانيا كمثال، سنرى خصوبة 1.8 للام من أصل بريطاني (خصوبة سلبية 1.8 طفل لابوين) مقابل خصوبة 3 اطفال للابوين المسلمين.
هناك من يخشون مما سيأتي وهناك من يتوقعونه، ولكن يخيل أن من لديه عينان في رأسه يرى منذ الان بان المستقبل سيكون مختلفا جوهريا عما سبق ان عرفناه. فالاقتراب من الكتلة الحرجة للمهاجرين في المدن الاوروبية المختلفة يعطي منذ الان مؤشراته في التغييرات في الفكر وفي السلوك، سواء للمهاجرين ام للحكومات والبلديات. وبينما قسم من اللاجئين يصل معدله إلى نسب قليلة في اجمالي السكان سيكون ممتنا لمجرد انه سمح له بالدخول، فانه كلما ارتفع معدله ستزداد مطالبه. هذه ليست نبوءة تستشرف المستقبل بل وصفا لوضع قائم: في بعض المدارس في انجلترا ازيل تعليم الكارثة من أجل عدم المس بمشاعر المسلمين، ومن جهة اخرى ادخلت مضامين في موضوع المساهمات الهامة للإسلام في الرياضيات والعلوم. في فرنسا وفي بريطانيا تتجول «شرطة خاصة» داخل التجمعات السكانية الإسلامية وتفرض قوانين الشريعة، وفي النرويج هناك دعوة من مسلمين متطرفين لارض ذات حكم ذاتي داخل اوسلو. هذا ليس سلوك يتماثل مع ناجين من اللظى يشعرون بالامتنان. فللاجيء في صورته الحالية مطالب وتفضيلات، بعضها مدلل قليلا. بودابست وبوخارست لم تعودا بديلا مناسبا لحلب المفككة، فاللاجئون يطلبون برلين، لندن ومارسيه لعلمهم انهم هناك سيتلقون دعما جماهيريا ومن منظمات حقوق الانسان واحزاب اليسار. وبينما يحاول اليمين زيادة قوته من خلال التوجه إلى الاوروبيين من مواليد اوروبا، يفهم اليسار الديمغرافيا ويتوجه إلى المهاجرين من خلال سياسة الرفاه والمخصصات.
يبدو ان اسرائيل التي لا ترتبط مباشرة حقا بحركة اللاجئين العرب في اوروبا، تتعرض لاثرين مباشرين ـ جيد وسيء. الاثر السيء نراه دوما في شكل مظاهرات ضد اسرائيل ومع مقاطعة البضائع من المناطق، وكيف يرتبط هذا؟ ببساطة لان هذا هو القاسم المشترك الاوسع وعديم المعنى. فاللاجئون يتشكلون من طوائف مختلفة، سنة، شيعة، متزمتين أكثر او أقل. بينما اراؤهم في معظم المواضيع يمكن أن تكون متنوعة جدا، ففي موضوع واحد لا يوجد تنوع، كلهم ضد اسرائيل بذات الطريقة. في المواجهة بين اسرائيل وفلسطين، وربما فقط فيها، كلهم في طرف واحد.
وما هو الاثر الجيد؟ هذا كبير ومن المعقول ان يزداد. اليهود الذين يعيشون في بلدان اوروبا يفهمون ويواصلون الفهم بان مكانهم ليس هناك، واذا كان الحال لا يزال محتملا اليوم، فلا ضمان لان يبقى هذا في المستقبل. واذا قرر بعض من هؤلاء نقل مكان اقامتهم والعودة إلى اسرائيل، فسنكسب فئة سكانية يهودية منتجة وعاملة تعزز اسرائيل.
اسرائيل اليوم 3/9/2015
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews