«الوطني» الفلسطيني والانتفاضة الثالثة
كُتب الكثير، حتى الآن، حول دعوة الرئيس محمود عباس، لعقد دورة جديدة (استثنائية عادية) للمجلس الوطني الفلسطيني. وقد تم تناول الموضوع في الصحافة من كل زاوية، وتوقف الكثيرون أمام الدوافع والأهداف التي تقف وراءها.
لكنه وبصرف النظر عن كل ما كتب وبعده، يبقى السؤال الأساسي هو: لماذا هذه الدعوة الآن؟
لقد أجاب الرئيس نفسه عن هذا السؤال مبكراً، فقال إنه يريد أن تكون اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هي الحكومة الفلسطينية، فضلاً عن تجديد شرعية المؤسسات التابعة لها.
وقد رأى البعض أن الدعوة نفسها على هذا النحو ليست شرعية، وأنها تمثل «انقلاباً» في المنظمة لصالح السلطة والنافذين فيها.
هذا يفترض أن الغرض منها توفير الظروف ل «شيء ما» يريد الرئيس، أو من يخلفه في رئاسة المنظمة تنفيذه، (إن تمسك الرئيس باستقالته)، بأقل الإزعاجات الممكنة، أي أن القضية سياسية وليست تنظيمية.
وكان الرئيس عباس، قد هدد في وقت سابق، بأنه سيتخذ «إجراءات جذرية» إن لم تغير الحكومة «الإسرائيلية» سياساتها في موضوعي الاستيطان والعودة إلى المفاوضات على أساس تجميده.
نحن نعرف أنه ليس لدى «جماعة أوسلو» أي خطط أو سياسات غير المفاوضات، وفقط، المفاوضات، على قاعدة التمسك بالاتفاق السيئ وبنوده.
وبالتالي فإن أي جديد يمكن أن تفكر فيه هذه «الجماعة» لن يخرج عن السياسة التي اتبعتها منذ توقيع الاتفاق.
ونعرف أيضاً أنه قد مضى على عقد آخر اجتماع للمجلس الوطني قرابة العشرين عاماً، كانت الدعوات لعقده خلالها متواصلة، ولم يستجب لتلك الدعوات، فما الجديد الذي جعل الدعوة هذه المرة ممكنة وملحة وبمن سيحضر؟!
لنعرف الجواب، لابد أن نتفحص آخر التطورات في الساحتين الفلسطينية و«الإسرائيلية».. فلسطينياً، لا نرى إلّا موضوع «المفاوضات غير المباشرة» بين حركة (حماس) و«الإسرائيليين» من جهة، و«التقارب» (والبعض يقول التحالف) بين الحركة والقيادي الفتحاوي محمد دحلان من جهة أخرى ، وكلا الأمرين يخيف سلطة رام الله.
والإجراء الوحيد الذي يمكن أن يقطع الطريق على التحركين المذكورين لحركة (حماس)، كما تعتقد السلطة، هو عقد المجلس الوطني، حيث إن ذلك يسمح باحتواء الحركة سواء شاركت أو لم تشارك في اجتماع المجلس، وكذلك تحجيم أنصار دحلان داخل (فتح)، أو التخلص منهم.
أما «إسرائيلياً»، ففي وقت تتعاظم فيه الهجمة الاستيطانية، وعمليات القمع وحملات الاعتقال للفلسطينيين، تزداد «العمليات الفردية»، وبينما يصر بعض القيادات الأمنية «الإسرائيلية» على أنه لا خوف من اندلاع انتفاضة ثالثة في المدى المنظور، ويؤيده في ذلك بعض من المستوى السياسي وأصحاب الرأي، هناك بعض آخر في المستويين، يرى العكس وأن الانتفاضة جارية، ولكن لم تأخذ شكلها النهائي حتى الآن، في الوقت نفسه، تتعالى الأصوات لضم منطقة (ج) ووقف الحديث عن «الاحتلال»، وحتى رئيس الكيان، رؤوبين ريفلين، الذي حاول أن يظهر بأنه ضد إرهاب المستوطنين أيام الجريمة التي ارتكبت ضد عائلة الدوابشة، أعلن منذ أيام أن الضفة الغربية هي جزء من «أرض «إسرائيل»، وأنه من حقهم الاستيطان فيها، هذا، ويتفق جميع «الإسرائيليين» على أن عمليات الفلسطينيين، دفاعاً عن أنفسهم، «إرهاب»، ويشددون على ضرورة تصعيد محاربته، موجهين الاتهامات لفصائل المقاومة في غزة، وفي هذا الموضوع، تلتقي السلطة مع الموقف «الإسرائيلي»!
فقبل أسبوعين، وتزامناً مع دعوة الرئيس عباس لعقد المجلس الوطني، زار زعيم ما يُسمى «المعسكر الصهيوني» المعارض (حتى الآن) إسحق هيرتزوغ الرئيس محمود عباس في مقره، في المقاطعة بمدينة رام الله، وأعلن أن الهدف من زيارته هو العمل على منع انتفاضة فلسطينية ثالثة.
وأضاف في مؤتمر صحفي: «علينا منع انتفاضة ثالثة، وهذا يعني شن حرب لا هوادة فيها ضد الإرهاب، وأنا في هذا الموضوع متطرف أكثر من نتنياهو»، وقال: إنه اتفق مع الرئيس عباس على ذلك، لكنه أضاف: «من جهة ثانية، ينبغي منح الشعبين الأمل بواسطة تحريك خطوات شجاعة تعيدنا إلى المفاوضات»!
لقد قام هيرتزوغ بدوره كمبعوث لنتنياهو، لأن الاتصالات بين الأخير والرئيس الفلسطيني، كما يقال، مقطوعة منذ توقفت المفاوضات، وليس مناسباً أن يلتقيا في هذا الوقت.
لكن هيرتزوغ الموصوف بأنه زعيم المعارضة، والذي يزعم بأنه يسعى إلى إسقاط نتنياهو، هو الأنسب للقيام بهذه المهمة، في كل الأحوال، الحديث عن المفاوضات في ظل السعار الاستيطاني الجاري يتناقض مع إعلانات السلطة الفلسطينية، والحديث عن «الإرهاب الفلسطيني» وسط الجرائم التي يرتكبها المستوطنون وقوات الجيش «الإسرائيلي»، أكبر من فضيحة.
أما الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني في هذه الظروف، فتتجاوز كل منطق سليم مادام ليس لدى الداعين أي استعداد للتخلي عن سياساتهم التفاوضية والأسلوية، لأن تغيير الأسماء والوجوه لن يغير شيئاً في السياسات، إلّا للأسوأ!
إن المعطيات السابقة تقودنا إلى الاعتقاد بأن دعوة المجلس الوطني للانعقاد تشكل جزءاً من عمليات «التنسيق الأمني»، الذي يستبق هذه المرة، ويهدف منع انتفاضة ثالثة تخشاها سلطات الاحتلال، كما تخشاها سلطة رام الله... إننا بهذا الاستنتاج لا نحكم على النوايا، بل على السياسات والمواقف المعلنة والثابتة، إلّا أننا كان يمكن لنا أن نتجاوز، ولو لمرة واحدة، ونقبل فرضية «النوايا الطيبة»، لو جاءت الدعوة بالطرق السليمة التي تتيح، على الأقل، مشاركة حقيقية في دورة المجلس المقترحة.
إن التمسك ب «اتفاق أوسلو» لن يجلب غير الكوارث!
(المصدر: الخليج 2015-09-03)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews