واشنطن تعمل لمصلحتها
يمكن أن نقول منذ الان بشكل معقول وبثقة اكبر ان الاتفاق مع إيران سيقر في الكونغرس الأمريكي، وهكذا سيزاح عن طريقه العائق الاخير في طريق تطبيقه، الناجح إلى هذا الحد او ذاك. يمكن أن نقول منذ الان بشكل معقول وبثقة أكبر ان إيران انتصرت على إسرائيل في
جولة الضربات هذه. يمكن أن نقول منذ الان بشكل معقول وبثقة اكبر ان إيران ستطور سلاحا نوويا إذا ارادت ذلك، وهناك احتمال لا بأس به في أن تريد.
في الايام الاخيرة يمكن أن نلاحظ كيف تتدبر الاوراق في صالح ادارة براك اوباما، كيف ينضم اعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب، واحدا واحدا، إلى معسكر المؤيدين للاتفاق. ليس بالضرورة بحمية كبيرة، ولكنهم ينضمون. ثمة موضوع الولاء الحزبي، وثمة موضوع انعدام البديل الواضح ـ ليس واضحا ان قرارا بعدم اقرار الاتفاق سيؤدي إلى تحسينه ـ وثمة موضوع، او في واقع الامر انعدام الاهتمام من جانب الناخبين الأمريكيين. ولعل هذا هو في واقع الحال الموضوع المركزي: الناخبون الأمريكيون، في ظل الجدال الكبير، بقوا بالاجمال غير مبالين. معظمهم، ومن الصعب الشكوى، فضلوا التركيز على اجازة الصيف. فعلى أي حال، عندما عاد المنتخبون، المشرعون إلى ولاياتهم والمحافظات التي يمثلون، لم يصطدموا بحركة جماهيرية تطالبهم بمعارضة الاتفاق. وسواء مؤيدين او معارضين، ليس هذا هاما جدا بالنسبة لمعظم الأمريكيين.
هذا هو الدرس المركزي الذي يتعين على إسرائيل أن تأخذه معها إلى المحطة التالية في صراعها في سبيل البقاء في هذه المنطقة الصعبة، المتوترة، المتغيرة بسرعة: فأمريكا سيسرها ان تساعد طالما لا تتخذ هذه صورة مساعدة تصطدم بالمصالح الأمريكية. وبالمناسبة، هذا صحيح ايضا بالنسبة ليهود أمريكا. فهم سيسعدهم أن يساعدوا طالما هذه ليست مساعدة تصطدم بصلتهم السياسية الفورية، وبرغبتهم في أن يعيشوا حياة أمريكية بلا ازعاج.
وهذا درس هام جدا، لانه منذ بعض الوقت – في واقع الامر، بضعة عقود ـ وإسرائيل مشوشة قليلا بالنسبة للدعم الذي تحصل عليه، او تتوقع الحصول عليه، من أمريكا. الادارتان اللتان سبقتا ادارة براك اوباما كانتا من أفضل الادارات، وربما الافضل، التي تشهدها إسرائيل. كما أن الظروف لعبت في صالح إسرائيل. في عهد بيل كلينتون لمعت أمريكا كالنيزك المنفرد في السماء العالمية بعد انتصارها في الحرم الباردة، ولم تكن مطالبة بان تواجه عوائق كبيرة في طريقها. في عهد جورج بوش الابن مدد خط حدود بين الدول التي تقاتل ضد الإرهاب وبين تلك التي تدعمه، او غير المكترثة به. وكانت إسرائيل في الطرف الصحيح.
وجاء براك اوباما فأعاد بالاجمال النظام الدائم إلى وضعه. أمريكا تدعم إسرائيل عندما يكون ممكنا ويكون مريحا، وتصطدم بها عندما لا يكون مريحا. ومثلما اصطدم رونالد ريغان بمناحم بيغن في عهد حرب لبنان الاولى، هكذا يصطدم براك اوباما ببنيامين نتنياهو في عهد اتفاق إيران الاول. واذا كان يخيل ـ عن حق ـ بان الصدام اليوم اكثر حدة، اكثر شدة، ممن كان لسنوات طويلة جدا، وربما ابدا، فليس هذا بسبب شخصية أو موقف اوباما ونتنياهو.
هذا ليس لان اوباما يحب إسرائيل اقل من رؤساء آخرين (نعم، هو على أي حال يحب اقل من كثيرين آخرين، ولكن ليس كلهم). هذا ليس لان نتنياهو يغيظ اكثر من رؤساء وزراء آخرين. بيغن في حينه وشمير في حينه أغاظا الأمريكيين كما ينبغي (ولكن نعم ـ لنتنياهو توجد جودة خاصة حين يدور الحديث عن قدرته على اغاظة الأمريكيين).
الصدام اليوم اكثر حدة لأن المواجهة اليوم اكثر اهمية. ريغان غضب على بيغن وشارون في عهد حرب لبنان، ولكن لبنان لم يكن مركزيا على خريطة مصالح ادارته. بوش الاب وبيكر تميزا غضبا من جر شمير الارجل، ولكن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، مع كل الاحترام، لا يمكنه أن يعتبر مركزيا بالنسبة للادارة التي في عهدها انهار الاتحاد السوفييتي وفي عهدها اجتاح العراق الكويت. المواجهة هامة اكثر لاوباما، وإيران هي انجازه المركزي في هذه الولاية.
المواجهة اهم لإسرائيل لان إيران هي التهديد المركزي عليها. هذه المواجهة ستخلف ندوبا غير لطيفة، وكذا واقعا غير مريح. يمكن محاولة التعلم منها بضعة دروس ايضا. أولها هو أن أمريكا معنا، ولكن قبل كل شيء، كما هو صحيح وجدير ان يكون، مع نفسها.
معاريف 27/8/2015
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews