الكيماوي في قلب دمشق بعدما قطع «الجيش الحر» الطريق إلى حمص
تحول نوعي في مسار الأحداث في سورية طرأ الأسبوع الفائت، ليس بالنسبة الى معركة القصير ودخول حزب الله كلاعب علني وأساسي فيها فحسب، بل ما جرى في قلب العاصمة دمشق، حيث وصل تأثير غازات أطلقها النظام -وفق ما يقول ناشطون معارضون من حرستا- إلى قلب أحياء العاصمة، وحتى أنها أصابت عناصر أمن من فرع امن الدولة (الخطيب) ومواطنين من قاطني أحياء العباسيين والتجارة والعدوي والقصور نقلوا على أثرها إلى مشافي الحياة والفرنسي ومراكز الهلال الأحمر.
بدأت القصة بعد ما جرى على أوتوستراد حمص-دمشق الدولي بالقرب من حرستا الأسبوع المنصرم، حين وصلت قوات تابعة للجيش الحر إلى حواجز الجيش النظامي وكبدتها خسائر كبيرة، وسيطرت قوات المعارضة على مؤسسة مياه ريف دمشق والتي تحاذي الأوتوستراد الدولي مباشرة.
ووفق ما رواه شهود، فإن جثث مقاتلي النظام بقيت على طرفي الطريق تحيد عنها السيارات العابرة، على قِلتها، كما تشاهد بوضوح آثار المعركة من دبابات وسيارات محروقة.
يقول أحمد من مدينة سلمية: «طريق حمص دمشق يبدو وكأنه شهد أم المعارك، كنا قادمين من سلمية باتجاه دمشق يوم السبت 25-5-2013. البولمان زاد من سرعته عند وصولنا منطقة حرستا، مخافة رصاصات القنص والاشتباك، وبدأ البولمان بالتعرج عند هذه المنطقة لنكتشف لاحقاً أنه يحيد عن الجثث الملقاة على جانبي الطريق والتي بدأت تتفسخ، إضافة لمشاهدتنا سيارات وعربات جيش ودبابة محترقة».
وبدا أن النظام لم يستسلم لفكرة انقطاع طريق دمشق-حمص، لما لهذا الطريق من استراتيجية مهمة لقواته، فزج بقوات كبيرة محاولاً رد مقاتلي الجيش الحر عن الطريق الدولي باتجاه حرستا، ولم ينته إلا باستخدام قنابل تحوي غازات سامة فجر 26-5-2013. أُلقيت هذه القنابل على حرستا ومناطق جوبر والقابون، على ما بثة ناشطون على «يوتيوب»، حيث أظهرت الأشرطة مسعفين يقومون بإسعاف جرحى منهم أطفال وتبدو عليهم آثار الإصابة بغازات سامة. إلا أن الغازات لم تبق في نطاق حرستا، بل وصلت إلى مناطق ضمن العاصمة، كالتجارة والعدوي والقصور والعباسيين، وأفادت شهادات سكان تلك الأحياء بتعرضهم لحالات ضيق نفس وإعياء وتقيؤ.
تقول يارا وهي من سكان منطقة القصور، «لم نشم أي رائحة، كنت استخدم الكمبيوتر وفجأة لم أعد أرى الحروف، وأحسست بغصة تمنعني من التنفس، وبدأت بالتقيؤ، تبعني زوجي محاولاً مساعدتي، إلا أنه هو نفسه بدأ بالارتجاف، وبدأت حدقتي عينيه تصغران، وبدا مصاباً بإعياء، ظننا لبرهة أننا أُصبنا بتسمم، نزلنا إلى مركز للهلال الأحمر، وجدناه ممتلئاً بأهالي الحي الذين يعانون الأعراض ذاتها، قام الممرضون الذين ارتدوا كمامات بتعريضنا للرذاذ، وشاهدنا عدداً من عناصر أمن الدولة (فرع الخطيب) القريب من منزلنا يقومون بتسجيل أسماء المرضى وأرقام هواتفهم وبيانات هوياتهم الشخصية، وكان عدد من زملائهم مصاباً أيضاً، فيما هم يلبسون الكمامات» .
ثائر شاب من منطقة التجارة قال: «في الطريق إلى المستشفى الفرنسي الواقع في القصاع، حيث كنت أقوم بإسعاف أختي، لاحظت جنوداً يلبسون أقنعة واقية ومنتشرين على المفارق والطريق إلى المستشفى، وهناك قام أطباء بحقن شقيقتي بمادة الأتروبين، وحين سألت الطبيب الذي كان يشرف على علاج إصابات عديدة كإصابة أختي، أخبرني بأن غازات سامة انتقلت في الهواء من منطقة جوبر، وهناك إصابات عديدة إلا أنها ليست خطرة»، وأضاف طبيب يعمل في مستشفى الحياة على أوتوستراد العدوي رفض الكشف عن اسمه: «تلقينا إنذاراً بضرورة التوجه إلى الإسعاف، وأن هناك حالات اختناق لدى عدد من المراجعين، نزلنا إلى بهو الإسعاف، أعطتنا الممرضات كمامات وأنذرننا بوجود غاز ليس له رائحة في المنطقة وأن هناك أكثر من عشر إصابات. كانت عناصر الحاجز خارج المستشفى قد ارتدت أيضاً كمامات واقية، ودخلت بهو المستشفى وبدأت بتسجيل أسماء المرضى في قسم الإسعاف، وطلبت منا إسعافهم بصمت وعدم التحدث عن الموضوع، فأدركنا حينها انه تم ضرب قنابل كيماوية على منطقة القابون، وأنه غاز من مشتقات الفوسفور العضوي وغالباً هو غاز السارين، وفق ما كان واضحاً من أعراض المرضى».
في اليوم التالي، لم يظهر أي مسؤول سوري ليبرر أو يشرح ما حصل، تم التعتيم على الموضوع، وكانت دمشق كأي يوم خلال الشهور المنصرمة، تعيش حياتها الطبيعية ظاهراً، وخلف هذا الغشاء الرث من الحياة الطبيعية، كان ألف سؤال يجول في رأس سكان العاصمة، فهم يعلمون أن هذا التوازن قلق وكاذب.
«مشهد المصابين بالغازات في المناطق الآمنة نسبياً والخاضعة لسيطرة النظام، لا بد أنه سيتكرر» تقول يارا، وتضيف: «نعلم أن النظام سيحرقنا كلنا كي لا يسقط... الكل يعلم أننا مجرد أرقام فحسب، ولا غطاء لموال أو معارض يقيه عنف النظام». وكانت مدينة دمشق، خصوصاً مركزها، قد بقيت لفترات طويلة خارج إطار العمليات العسكرية وحملات القصف والقتال الجاري بين فصائل الجيش الحر والجيش النظامي على الرغم من حوادث التفجير التي حصلت في عدة مناطق من المدينة وبعض القذائف الصاروخية. لا يغير هذا كله من حقيقة أن كل ما حول دمشق المدينة يشتعل منذ مدة وبات الخناق يضيق وتحول طوق العاصمة إلى ساحات كرّ وفرّ القوى المتقاتلة، في الغوطتين وحول طريق ومطار دمشق الدولي وأحياء دمشق الجنوبية. في الفترة السابقة، كانت دمشق عصية على كتائب الجيش الحر، فقد حولها النظام إلى مربعات أمنية مغلقة وشوارع مقطوعة بالحواجز الأسمنتية وحواجز التفتيش المدججة بالسلاح، إضافة إلى قصف يومي على أحياء هي الأقرب للعاصمة، كجوبر والقابون.
نهاراً يبدو كأن المدينة تعيش حياة طبيعية، فالأسواق والشوارع مزدحمة بالمارة والسيارات والباعة، إلا أن هذا المنظر لا يشي بحقيقة ما تعيشه العاصمة من توازن قلق وهش، مرجح للاشتعال في أي لحظة.
( المصدر : الحياة اللندنية )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews