الأزمات المالية واللبن المسكوب
سواء تمخضت حالة التراجع في أسواق المال العالمية عن أزمة حقيقية، أو أثبتت الأيام أنها مجرد سحابة صيف لا تلبث أن تنقشع، لا بد أن يفصل الأفراد بين إدارة حالتهم المالية الشخصية وإدارة الوضع الاقتصادي على المستوى العام. نعم، يعيش الفرد تحت آثار الحالة الاقتصادية العامة، سواء كانت متضخمة أم منكمشة، سواء أكانت تنعمه بالرفاهة أم تضعه في زاوية ضيقة، وقد يفصل التدهور الاقتصادي البعض من أعمالهم، أو يزيد من ثقل الدين عليهم؛ إلا أن الدور الشخصي الإيجابي يكمن في مراقبة الوضع العام والتعليق، وربما التأثير فيه إن أمكن بالاختصاص والخبرة والصلاحيات، إلا أن هذا يجب ألا يحصل إلا بعد أن يسيطر الفرد على شؤونه الشخصية أولا، حتى يقي نفسه أخطار تحول الأزمة العامة إلى أزمة شخصية خاصة.
المسارعة إلى القلق والإرجاف مع تواضع أسلوب الإدارة المالية الشخصية سيجعلان النتائج أسوأ، وسيضخمان المشكلة ولن يحلاها. الوضع العام معقد بدرجة كافية، ويحتاج إلى الكثير من الجهود لتفكيكه والمساعدة على حله، ولكن الاستعداد لعرض الحلول قبل السيطرة على الوضع على مستوى الفرد أو عدة أفراد أمر غير منطقي.
المشكلة الحقيقية التي يقع فيها البعض أن منظوره وقت الأزمة قاتم بما يكفي للسخط واليأس واتخاذ القرارات السريعة المتشبعة بالتحفظ والهرب، بينما خارج أوقات الأزمات تجده يقلل من تقدير الأخطار، ويغامر بمدخراته متحمسا في قنوات عالية الأخطار. هذا التناقض قاتل، فهو فشل قبل الدرس وفشل في أثنائه وبعده.
حصد الكثير من المقتدرين ثرواتهم من المخاطرة المدروسة وقت الرخاء، واستغلال الفرص وقت الأزمة. بينما يوقع البعض نفسه في الحفر العميقة وقت الرخاء، ويتخبط في أثناء الأزمات.
تهدف نصائح الإدارة المالية الشخصية إلى تفادي الأزمات قبل وقوعها، وهذه النصائح في الحقيقة لا تتبدل في أثناء حصول الأزمات أو ارتفاع مؤشراتها. الضغط العام وسرعة المتغيرات الاقتصادية أمور تجعل الصورة أوضح للعقلاء، وتنبه إلى أهمية التخطيط المبكر، واتخاذ القرارات الشخصية المدروسة.
الأزمات المالية فرصة للتعلم، قد تكون مع الأسف فرصة للتعلم في الوقت الصعب. لا يختلف المختصون في مجال الإدارة المالية الشخصية على أهمية التعلم المستمر في المجال المالي، كتبهم ومقالاتهم تمتلئ دائما بالتحفيز، الذي يشدد على مفردات مثل الوعي والثقافة والتربية والتعلم والاطلاع والسؤال والاستشارة، ولكن الأزمات فرص، تكشف الخفايا، وتعلق جرسا مزعجا للتعلم.
يقول جورج بابادوبولس، وهو يوناني أمريكي يعمل مخططا ماليا معتمدا ومحاسبا قانونيا ومختصا في صحيفة وول ستريت جورنال، إن للأزمة الأخيرة في اليونان انعكاسات مباشرة على الإدارة المالية للأفراد، وهي تذكرنا بأبجديات الإدارة المالية (101)، باختصار، لا تصرف أكثر مما تستطيع تحمله. ويعرج جورج على الاقتراض ومساوئه، وخصوصا بطاقات الائتمان مرتفعة التكلفة، والقروض السكنية طويلة الأجل، التي تزيد من ثقلها في أثناء الأزمات.
يتفق الجميع على أهمية الهدوء في أثناء الأزمات، فالتسرع والارتباك يجعلان الوضع أسوأ بمراحل. وإذا لم يملك الشخص أهدافا مالية واضحة فالفرصة لم تفته بعد؛ لأنه سيتخذ المزيد من القرارات المهمة كل يوم. التخطيط المالي أصبح اليوم مهارة حياتية مهمة متاحة للجميع، والقدرة على تنفيذ المخطط المالي بذات الأهمية، لكيلا يتحول التخطيط إلى مجرد أمنيات لا قيمة لها. الانضباط الشخصي والالتزام المالي من أجل الأسرة وتحقيق أهدافها مع متابعة الخطوات والحرص على الاستمرارية أهم بكثير من متابعة أحاديث المجالس والإلمام بأخبار الوضع الاقتصادي الراهن.
يصنع توافق الأزمات مع موسم الإجازات والعودة للمدارس وتراكم الالتزامات المالية، المزيد من الضغوط؛ لذا يذكر المختصون بإعادة تقييم الوضع المالي، ورصد الأصول والالتزامات والأرصدة بدقة، وتصنيفها والتصرف فيها بما يقتضيه الأمر. هذا لا يستدعي بالضرورة البيع والتسييل، وربما يضطر الفرد إلى القيام بذلك. لكن المهم أن يعاد ضبط السلوك المالي بتقليل المصروفات وتنشيط مصادر الدخل الأخرى، سواء أكان استثمارا تقليديا أم مشروعا جانبيا أم عملا في وقت الفراغ.
يقول جورج بابادوبولس إن التغيير حتمي، والقيام بالفعل الملائم في الوقت الملائم أهم من المشاهدة والانتظار، فالوضع قد لا يحتمل المزيد من التردي، ربما تساعدك بعض الخطوات - مثل إيقاف بطاقتك الائتمانية - على التقليل من أثر المشكلة، ففي نهاية الأمر وبغض النظر عن الوضع الاقتصادي العام أنت المسؤول عن مصيرك الشخصي.
(المصدر: الاقتصادية 2015-08-21)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews