صندوق النفط النرويجي يتبنى فلسفة استثمارية جديدة
كما يُمكن أن تتوقّع من شخص أمضى ذات مرة ستة أشهر وحده في مقصورة في القطب الشمالي لدراسة كانط وهيجيل وهايدجر، فإن يانجف سلينجستاد هو نوع من فلاسفة الشركات.
الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادية الأكبر في العالم، صندوق النفط النرويجي، لا يكتفي بمحاولة كسب مزيد من المال للسكان المحليين، بل يُفكّر أيضاً بعمق في الطريقة التي تعمل بها الشركات والأسواق.
يتساءل خلال مقابلة في مكتبه في البنك المركزي النرويجي، الذي يُدير الصندوق "أين نرى فعلا الشركة العامة وهي تمضي قُدماً؟ كيف يُمكن أن نتأكد أن الشركة العامة قادرة فعلا على تجميع عرض مُربح ومرونة مناسبة في الطريقة التي تُدير بها أعمالها"؟
السبب الكامن لقلقه هو الحجم غير العادي لصندوق النفط. كونه موجودا منذ أقل من عقدين، شهد الصندوق سرعة نمو خاصة في الأعوام العشرة الأخيرة مع نمو أصوله سبعة أضعاف لتُصبح 870 مليار دولار. قد يكون من الصعب فهم حجمه - يملك حصصا فيما يُقارب عشرة آلاف شركة وفي المتوسط يملك 1.3 في المائة من كل مجموعة مُدرجة في البورصة على مستوى العالم.
لكن مع هذه القوة تأتي المسؤولية. حجم حصص صندوق النفط في عدد كبير من الشركات يعني أنه مضطر إلى التخلّي عن إصراره على أنه مجرد مُستثمر مالي وتولي دور أكثر فعالية على صعيد المُلكية، والتركيز على حوكمة الشركات.
ووفقا لسلينجستاد، هناك بعض التوتر بين هذه المسؤولية ورغبة المستثمرين، مثل صندوق النفط، في تنويع حيازاتهم للحدّ من المخاطر. ويعترف بأن من المستحيل أن يقوم الصندوق بتحليل عميق لجميع الشركات العشرة آلاف وتكون له سيطرة كاملة على جميع مسائل الحوكمة.
ويقول "ثمن ذلك هو أن لديك للمجتمع ككل تكلفة لتنويع المخاطر. بالطبع، هذا أمر مُفيد لكل مؤسسة، لكن للمجتمع ككل فإنك تُخاطر بوجود الهيكلة التنظيمية الأكثر أهمية - وأنا ما زلت أعتقد أن الشركات هي بالفعل العمود الفقري للمجتمع - كما تُخاطر بوجود فراغ هنا من حيث الطريقة التي يتم بها تشغيلها والطريقة التي تتم بها حوكمتها".
بالتالي، استعان المساهمون الكبار بشركات استشارية من أجل كثير من عمل الحوكمة، مثل "آي إس إس" التي تُقدّم المشورة للمساهمين حول كيفية التصويت في الاجتماعات السنوية. لكن في العامين الماضيين، تحوّل صندوق النفط ليُصبح مستثمراً فعّالاً على الأقل بثلاث طرق مختلة.
أولاً، بدأ يكشف عن نواياه فيما يتعلّق بالتصويت في الاجتماعات السنوية. حالياً، هو يكشف عن الطريقة التي صوّت بها بعد يوم من الاجتماع. لكنه يتّجه نحو الإعلان عن نواياه قبل الاجتماع، جزئياً لتعزيز الشفافية وجزئياً لزيادة نفوذه.
لقد كانت بداية بطيئة. كان الصندوق في البداية ينوي الإعلان المُسبق عن نواياه في 10-20 اجتماعا سنويا هذا العام، لكن حتى الآن لم يُصدر سوى إعلانين - لشركة بريتش بتروليوم وشركة رويال داتش شل حول تغيّر المناخ، ولشركة المرافق "آيه إي إس" حول إمكانية الوصول إلى التوكيلات.
ويعترف سلينجستاد بأنها كانت بداية حذرة، لكنه يقول إن "الرحلة الإيجابية" أقنعت الصندوق بأن هذا هو الطريق الصحيح.
والصندوق على وشك زيادة عدد الشركات التي يحللها بعمق من 500 إلى ألف، كما سيوظف مزيدا من العاملين لأن "حجم العمل القائم عليه ربما أكبر مما كنا نتوقع".
ثانياً، يصدر الصندوق "أبحاثا حول الموقف" تحدد مبادئه لحوكمة الشركات. وحتى الآن أصدر بحثين فقط، عن إمكانية الوصول إلى التوكيلات وعن إمكانية التصويت على أعضاء مجلس الإدارة الأفراد، لكن سلينجستاد قال "إن 20 تقريرا ينبغي أن تصدر بحلول نهاية العام المقبل".
وكثير من التركيز سيكون على قضايا تتعلق بمجلس الإدارة: تكوين المجلس، والمسؤولية، والتفاعل بين المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة. مع ذلك، سلينجستاد واضح في أنه لا يريد من المساهمين اغتصاب الدور التقليدي لمجلس الإدارة.
ويقول "إن إحباط المساهمين بسبب حُزم تعويضات الرؤساء التنفيذيين يؤدي إلى محاولة للالتفاف على مجلس الإدارة، حيث لا يكون لديك فقط رأي بشأن الأجور، لكن في بعض الحالات بإمكانك أيضاً اتخاذ القرار بشأن الأجور. نحن لا نعتقد أن الأمر ينبغي أن يكون بهذه الطريقة".
سلينجستاد، المراقَب عن كثب من قِبل الحي المالي في لندن ومجالس الإدارة في كافة أنحاء أوروبا، حريص على التشديد على أنه يريد أن يكون دور صندوق النفط في مسائل الحوكمة هو مناقشة المبادئ، وليس الخوض في تفاصيل الشركة.
مجال العمل الثالث كان محلياً أكثر. بموجب أنموذج الحوكمة في الدول الاسكندنافية، فإن أكبر المساهمين في الشركات غالباً ما يُشاركون في لجنة الترشيح التي تُقرّر من سيكون أعضاء مجلس الإدارة. وبعد أعوام من رفض الانضمام إليها، شارك صندوق النفط في عام 2013 في أول لجنتين: شركة صناعة الشاحنات فولفو وشركة الورق "إس سي آيه"، وكلتاهما في السويد.
بعد ذلك، في وقت سابق من هذا العام، تعرّضت شركة إس سي آيه لفضيحة طائرات رجال الأعمال التي أدت إلى استقالة رئيسها التنفيذي، ورئيس مجلس الإدارة وغيرهما من أعضاء مجلس الإدارة، وتُرك صندوق النفط مُتضرّراً وغير متأكد على حد سواء من جاذبية أنموذج الدول الاسكندنافية.
وانتقد مساهمون سويديون صندوق النفط لكونه سلبيا جداً فيما يتعلق بشركة إس سي آيه. لكن سلينجستاد يقول "إنه لا ينبغي لهم الخلط بين الصمت أمام وسائل الإعلام وبين عدم اتخاذ أي إجراء".
وقال "إن الفضيحة تسلط الضوء على مشكلتين من المشكلات المحتملة مع لجان الترشيح: أنه لا يجوز معارضة قراراتهم؛ ويجب على المساهمين التصويت على مجلس الإدارة بالكامل، وليس الأعضاء الأفراد".
وكما هي الحال مع كل أعمال إدارة الشركات في الصندوق، يقول سلينجستاد "إنه لا يزال في مرحلة التعلّم من حيث التعامل مع أنموذح الحوكمة السويدي الذي يشاد به كثيرا".
لكنه يُضيف "ما شهدناه، فقط من هذه المرحلة المبكرة جداً، هو أن هناك تحدّيات مع لجان الترشيح لم نكُن ندركها وإننا لم نشهد إجابات واضحة لها، ما يجعلنا نتوقف وننظر فيما إذا كان هذا الأنموذج في الواقع يُسهم بشكل جيد في مناطق الاختصاص القضائي الأخرى".
وأكبر قرار تم اتخاذه أخيرا بشأن صندوق النفط النرويجي لم يتخذه الصندوق بنفسه، ولكن البرلمان السويدي حين قرّر أعضاؤه بالإجماع أن الصندوق لا ينبغي أن يستثمر بعد الآن في الشركات التي تعتمد في أكثر من 30 في المائة من أعمالها على الفحم.
وبصرف النظر عن تهمة النفاق - النرويج نفسها تملك عديدا من مناجم الفحم على أرخبيل سفالبارد في القطب الشمالي - عمل القرار أيضاً على إثارة المخاوف حول ما إذا كان الصندوق يُصبح ذا سمة سياسية.
داج ديردال، الرئيس السابق للاستراتيجية في الصندوق، كتب في إحدى الصحف المحلية: "المبادرات الجديدة تُشير إلى استخدام أكثر فاعلية للصندوق والاستثمارات لتحقيق مشاريع سياسية مختلفة".
ويشعر مسؤولون في الصندوق بالقلق من أن واحدة من أكبر المخاطر التي يواجهها هي أن البلدان الأخرى ترى أنه "أداة سياسية" أو أنه جزء من السياسة الخارجية في النرويج.
لكن سلينجستاد ينفي ذلك ويقول "إذا كنت تدير صندوق ثروة سيادية في دولة ديمقراطية وهناك قيود على ما يرغب السكان في كسب الأموال منه، فإن هذه القيود يجب أن تضعها المؤسسة السياسية التي تُمثّل السكان".
ويُشير إلى قرارات لإزالة شركات إنتاج التبغ والأسلحة النووية والقنابل العنقودية من المحفظة الاستثمارية، ويُجادل بأن هذه عملية مُنظّمة وليست لجعل الصندوق ذا سمة سياسية.
"إنه إنعكاس لمشاعر وغرائز السكان في النرويج فيما يتعلق بالمكان الذي نريد أن نكسب المال منه من أجل أحفادنا".
(المصدر: فاينانشال تايمز 2015-08-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews