حملة التخويف الأميركية ضد الأوبك
كنت سأتناول في هذه السطور ما تداولته العديد من الصحف ووسائل الإعلام العالمية عن التطورات في قطاع الطاقة وتحديداً الغاز الصخري الذي وإن تقلصت منصات استخراجه، نتيجة لانخفاض أسعار النفط، فإن إنتاجه قد زاد جراء استخدام التقنيات الجديدة الأقل تكلفة. الأمر الذي يضع بلدان الأوبك ومن ضمنهم المملكة، كما يرددون، أمام خيارات صعبة: فإن زادت هذه البلدان الإنتاج انخفضت أسعار النفط واضطروا بالتالي إلى تمويل ميزانيات التنمية بالسحب من الأرصدة المالية في الخارج أو عبر إصدار سندات التمويل في الداخل أو كليهما معاً. وإن هم خفضوا الإنتاج ارتفعت الأسعار وأصبح إنتاج بدائل النفط المكلفة أمراً مجدياً جداً.
أقول كنت سأكتب لمناقشة لتلك الأطروحات لولا أن وزير الخارجية الأميركي قد فاجأنا يوم الثلاثاء الماضي بتصريحه عن الاتفاق النووي مع إيران-الذي نشرته وكالة رويتر-. ففي هذا التصريح يشير وزير الخارجية الأمريكي إلى أمرين في غاية الأهمية: الأول إنه بدون ذلك الاتفاق فإن مصداقية الولايات المتحدة عند أوروبا ستضعف. ففشل الصفقة التي عقدتها مجموعة 5+1 مع إيران من شأنه أن يضعف الجهود التي تبذلها واشنطن للمحافظة على التحالف الأميركي الأوروبي الموجه ضد روسيا. أما الأمر الآخر والأهم فهو تهديده للكونجرس بأنه ما لم يصادق في الشهر القادم على الاتفاقية فإن مكانة الدولار باعتباره عملة احتياط عالمية سوف تتأثر.
بالفعل فإذا صح ما ذكره كيري فإن ذلك معناه أن الولايات المتحدة لم تعد ذلك الآمر الناهي الذي كان قبل عام 2008. فبعد الحرب الباردة، نهاية الثمانينات بداية التسعينات من القرن المنصرم، كان أي رئيس أميركي يستطيع أن يشير بأصبعه إلى خارطة العالم ويقول، كما الخليفة العباسي هارون الرشيد عند مخاطبته السحابة: أمطري أينما شئت؛ فسوف يأتيني خراجك. فهل تقلصت بالفعل الإمكانيات أو الموارد الأميركية إلى تلك الدرجة التي لم تعد بعدها قادرة على خوض غمار حرب اقتصادية على جبهتين مختلفتين في آن واحد؟
إن حديث وزير الخارجية الأميركي يضعنا مع بقية بلدان العالم في حيرة من أمرنا. فإذا كان الدولار على هذه الدرجة من الضعف بحيث إن تصويت الكونجرس الأميركي ضد الاتفاق النووي مع إيران يمكن أن يطيح بمكانته فهذا معناه أن العملة الأميركية ليست بتلك القوة التي تصلح لأن يباع بها النفط وتعقد بها 85% من الصفقات التجارية في العالم. أم أن تصريحات كيري لا تعدو عن كونها حملة إعلامية لتخويف الكونجرس على غرار تلك الحملة التي أشرت لها في بداية المقال والتي تقودها بعض الدوائر المتنفذة في قطاع الطاقة الأمريكي لتخويفنا. وإلا فإن إنتاج الغاز الصخري ليس هو الذي يحدد شروط اللعبة في سوق الطاقة كما يدعون. فالنفط لا يزال هو سيد الموقف وأسعاره هي التي تؤثر على مجمل صناعة إنتاج الطاقة وتدفق رؤوس الأموال عليها. فكما يشير تقرير وكالة الطاقة العالمية الأخير فإن هبوط أسعار النفط 60% قد ألحق أشد الخسائر بمنتجي الغاز الصخري. فخيوط اللعبة في سوق الطاقة إذاً لا تزال في يد البلدان المصدرة للنفط وليس عند منتجي ذلك الغاز.
(المصدر: الرياض 2015-08-15)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews