افتتاح قناة السويس الجديدة منجز حضاري شعبي
لعلَّ افتتاح قناة السويس في زمن قياسي مدته لا تتعدى العام الواحد ، لا يشكل إنجازاً سياسياً واقتصادياً وحسب ، ومن شأنه المساهمة في تعزيز حركة التجارة الدولية ومعدلات التبادل التجاري، وإنما هو أيضاً إنجاز حضاري " شعبي " سيزيد من التواصل الحضاري بين الدول والشعوب، والأهم أن القناة ، الأصيلة والحديثة ، أعادت الثقة للشعب المصري الذي لم يشهد أي إنجاز على مختلف الأصعدة برغم الوعود التي قُدمت له والمخططات الدعائية التي سمع بها في وسائل إعلامه منذ سقوط نظام حسني مبارك في ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ إلى غاية لحظة افتتاح القناة ، بل على العكس ، شهدت الأعوام الماضية تدهوراً اقتصادياً وأمنياً لدرجة باتت فيه الدول الأخرى تُحذر رعاياها من زيارة مصر بعد أن كانت واجهة العالم ومقصداً سياحياً هاماً نظراً لما تمثله مصر من قيمة تاريخية وحضارية عظيمة.
لذلك ، كان حدث افتتاح القناة الجديدة حدثاً شعبياً بجدارة ، أعاد للشعب المصري ثقته بقيادته التي تؤمن بالتطور والانفتاح والعمل على رفع مستوى دخل المواطن المصري وتحسين أوضاعه المعيشية والحياتية.
لقد استحال المواطن المصري ، بعد الانتكاسات التي شهدتها أهداف ثورته في الحرية والديموقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية ، إلى شخص تائه فاقد للأمل والإحساس بالإنتماء، وهو الذي كان يفخر بمصريته ومواطنته، وهو الذي شاهده العالم أجمع في ثورته المجيدة في مشاهد تاريخية تُدرس عن ثورات الشعوب، يرقص ويغني ويعزف الموسيقا في ميدان التحرير ويصدّر للعالم أجمع صورة بيضاء راقية حضارية عن المواطن المصري بأدواته التعبيرية الفنية التي يختزل من خلالها أرقى درجات التعبير عن التظاهر والرفض لواقع قاتم فاسد يهدف إلى تغييره، إلا أن الخميس الفائت ٦/٨/٢٠١٥ كان يوما مشهودا أعاد لهذا المواطن ثقته بنفسه وببلده ، ولقد كان يوما تاريخيا بحق ، احتفت فيه مصر العزيزة بمنجزٍ وطني سيعود على أبنائها بالخير الكثير، و كان مشهدا عظيما حين استقبلت مصر في ذلك اليوم زعماء دول ووفود أجنبية من كل أصقاع الدنيا ، في رسالة من " أم الدنيا " أنها كانت وستبقى الحاضنة الآمنة لكل من يقصدها.
وبقدر ما تشكله قناة السويس من حدث حضاري شعبي ، و منجز اقتصادي هام ، فضلاً عما ستدره من إيرادات قد تصل إلى ضعف الإيرادات الحالية، فإنها - كذلك - ستوفر الآلاف من فرص العمل للشباب العاطل (وهذه إحدى أبرز المشكلات التي تعاني منها مصر) ، حيث ستُقام عليها مجموعة من المشاريع التي ستنعش الإقتصاد وتحرك السكون ، ولعلَّ أبرز هذه المشاريع : مشروع محور التنمية في منطقة بورسعيد، ومحور التنمية في منطقة الاسماعيلية الجديدة، وآخر في منطقة شمال غرب خليج السويس.
هذه المشاريع من شأنها أن تحول محافظات القناة إلى مراكز صناعية وتجارية وسياحية عالمية وستضع مصر على خارطة الدول التي تملك مناطق لوجستية متكاملة ما سيجعلها تستعيد دورها الاقليمي القوي .
افتتاح قناة السويس الجديدة ليس مجرد حدث عادي استطاع رفع معنويات الشعب المصري وحسب، إنما هي حدثٌ عربي تابعت الاحتفالات الضخمة به الجماهير العربية التي تعاني معظمها من قتامة الواقع ومرارة الحرب وإنعدام الأمن والاستقرار، فكان هذا الحدث الكبير نافذة أمل على مستقبل واعد مضيء.
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews