فقاعة «الشراء بهدف التأجير» تهدد سوق العقارات في بريطانيا
قبل بضع سنوات، حققت حلم طفولتي المتمثل في امتلاك كوخ على شاطئ البحر – وهو ما أجهد قدراتي المالية إلى نقطة الانهيار تقريبا. جمعت بصعوبة مدخراتي، وأخذت أكبر قرض عقاري يمكن أن أتحمل تكاليفه، وكنت أكابد منذ ذلك الحين مع فرح خالص لوجود مخبأ خاص على قمة جرف بحري، في الوقت الذي شعر فيه الرأس بالخوف من وجود خطر على الاستقرار المالي للأسرة.
عندما لا يكون المنزل مستخدَما من قبلنا أو من قبل أصدقائنا، يتم تأجيره للسياح لقضاء العطلات بأسعار السوق، التي للأسف لا تغطي التكاليف لدينا. لو كان هذا خيارا استثماريا خالصا، فإنه سيكون سيئا جدا في الواقع - لأنه خليط مربك مكون من عاطفة ومكان مناسب للعطلة، تم تبريره عقليا بحلم طويل الأجل بأنني يمكن أن أتقاعد في أحد الأيام في هذه الزاوية الجميلة من بيمبروكشاير.
إنه بعيد إلى حد كبير عن الأنموذج المعهود في الشراء بهدف التأجير، الذي تأسس استنادا إلى توقع وجود دخل يمكن الاعتماد عليه وارتفاع قيمة العقار.
ويا له من أنموذج معهود. بحث لافت للنظر من شركة ريجيلسوورث الاستشارية كشف قبل بضعة أشهر أن نشاط الشراء من أجل التأجير حقق على مدى السنوات الـ 18 الماضية أرباحا تقارب 1400 في المائة، متجاوزا بكثير العائد من الأسهم (210 في المائة) أو السندات الحكومية البريطانية (230 في المائة).
لكن المقارنة مشوهة - فإذا كنت قد أعددت رهاناتك حول الأسهم والأوراق المالية مثلما يعد أي قرض عقاري للمراهنة حول الممتلكات، فإن الفرق سينكمش.
مع ذلك تفوقت عملية الشراء للتأجير. ومزيد من البيانات الأخيرة تبدو أكثر تشجيعا. ففي آخر إحصاء، كان متوسط قيمة أسعار المنازل في ازدياد بنسبة سنوية تبلغ 5.6 في المائة، في حين لا يزال متوسط العوائد يصل إلى ما بين 5 و6 في المائة. ومع وجود أسعار الفائدة الأساسية في بنك إنجلترا عند مستوى قياسي منخفض يبلغ 0.5 في المائة، هذا يبدو جيدا على نحو مضاعف - عائد لا تضاهيه معظم الأصول ويتمتع بدَفعة قوية من أسعار الفوائد على القروض العقارية التي هي الآن عند مستويات قياسية متدنية. (اليوم يمكنك الحصول على قرض شراء للتأجير بفائدة متغيرة تقتفي معدلات أخرى من ناتويست مقابل أقل من 2 في المائة).
مع هذا النوع من الأرقام وراء ظاهرة الشراء للتأجير، ليس من الغريب أنها عملية مزدهرة. فوفقا لبنك إنجلترا، أحجام التداول الآن عند مستويات قياسية، إذ يشكل الشراء للتأجير 15 في المائة من مخزون القروض العقارية في بريطانيا، الذي هو الآن قريب من 1.3 تريليون جنيه استرليني.
منذ 15 عاما كانت هذه السوق بالكاد موجودة. دخلت حيز الوجود قبل عقد من الزمان بسبب التغيرات التشريعية التي أعطت الملاك مزيدا من السلطة على المستأجرين، ما جعل التأجير الخاص أكثر جاذبية بكثير. وانتشرت القروض العقارية المصممة خصيصا للشراء من أجل التأجير من مطلع الألفية الثالثة، وراحت تغذي طفرة استمرت حتى يومنا هذا.
تلقت الدائرة الفاضلة لأصحاب العقارات الدعم من جراء تصاعد أسعار المنازل. ومع وجود عديد ممن هم في عمر 20 - 30 سنة غير قادرين على تحمل تكلفة شراء منازلهم، التأجير يعتبر عملا تجاريا كبيرا – ويشكل حصة أكبر من المساكن مما كانت عليه الحال منذ 30 عاما. اليوم نحو واحد من كل خمسة أشخاص هو عضو في أسرة لديها منزل خاص للإيجار، مقارنة بنحو واحد من كل عشرة أشخاص قبل عشر سنوات.
ولأن من المتوقع أن تواصل أسعار المساكن ارتفاعها، وحالات التقاعد من المتوقع لها أن ترسل مزيدا من الأموال نحو الشراء من أجل التأجير، يمكن لهذا الاتجاه أن يستمر لفترة من الوقت.
لكن هل تذكرون بصيلات الخزامى، والشركات الحبيبة في الدوت كوم في عام 1999، والأسهم الصينية في عام 2015، والنفط بسعر 100 دولار؟ وهل تذكرون، أيضا، تراجع سوق العقارات البريطانية في أوائل التسعينيات، عندما انخفضت أسعار المنازل إلى النصف؟ جنون الشراء من أجل التأجير لا يختلف عن حالات الحماسة الماضية. أجراس الإنذار يجب أن تقرع.
الخطر الأكبر هو النهاية التي تلوح في الأفق لأسعار الفائدة المنخفضة للغاية. ألمح مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا، الأسبوع الماضي إلى أن أسعار الفائدة يمكن أن تبدأ في الارتفاع مطلع العام المقبل. ومن المرجح لأي زيادات أن تكون بطيئة وثابتة. ولكن بالنسبة لكثير من أصحاب القروض العقارية، خاصة أولئك الذين أخذوا قرضا سكنيا في السنوات الثماني الماضية، هذا سيكون ضربة قوية. بين عامي 2007 و2009، انخفضت أسعار الفائدة سريعا. وعلى مدى السنوات الست الماضية ظلت دون تغيير عند المستوى القياسي المنخفض الحالي.
الصدمة بالنسبة لكثير من المقترضين الذين يشترون من أجل التأجير ستكون أكثر حدة لأن ثلثي هذه القروض ستكون الفائدة فقط. ولن يستغرق ذلك سوى بضع تحولات تدريجية في سعر الأساس لمضاعفة تكلفة كثير من القروض العقارية المتعلقة بالشراء من أجل التأجير.
الضوابط المتاحة للأجهزة المنظمة في بنك إنجلترا وسلطة السلوك المالي أقل بكثير مما ينطبق على التيار الرئيسى لسوق القروض العقارية. الشراء من أجل التأجير، مثلا، لا يخضع لنفس قيود القرض إلى القيمة ومعدل الدين إلى الدخل. والمصارف لا تشدد على اختبار مقترضي الشراء من أجل التأجير بقدر التشديد على قدرتهم على تحمل ارتفاع أسعار الفائدة. لقد أسهمت تلك البيئة المتراخية في حد ذاتها في تجاوزات في الشراء من أجل التأجير، في الوقت الذي قامت فيه المصارف بإعطاء الأولوية للقطاع.
وكما أبرز بنك إنجلترا في تقرير هذا الشهر، لدى فقاعة الشراء من أجل التأجير القدرة على إحداث فوضى في سوق الإسكان. إذا كان التحسن في أسعار الفائدة يوقف ارتفاع أسعار المنازل، فإن تأثير الشراء من أجل التأجير على نطاق أوسع في السوق يمكن أن يحول ذلك بسرعة إلى انكماش، على اعتبار أن الملاك المتعَبين ماليا سيبيعون العقار في سوق هابطة. باختصار، خلص بنك إنجلترا إلى أن "الإقراض للشراء من أجل التأجير يمكن أن يشكل خطرا على الاستقرار المالي".
لذلك أقول للذين يشترون من أجل التأجير: انضموا إلى النادي واستعدوا لما هو آت.
(المصدر:فاينانشال تايمز 2015-08-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews