الوجبات السريعة لها أضرار عديدة
جى بي سي - لقد قيل الكثير عن التدخين والسجائر.. واستخدمت كلمة الإدمان تعبيرًا عن صعوبة الإقلاع عن هذه العادة الضارة، وتسربت على استحياء بعض النتائج التي تقول إن شركات التبغ تضيف إلى سجائرها مادة بعينها تجعل من المدخنين أسرى لهذه العادة البغيضة.. وفي السياق نفسه يجري الحديث حاليًا داخل أكثر من منبر علمي على أن صناعة الأغذية التي تقوم على «الهامبورغر» تؤثر في أذواق الناس وتجعلهم من زبائنها الدائمين.. وهاكم سلسلة التحذيرات التي انطلقت من الولايات المتحدة نفسها والتي نبهت إلى خطورة الأكلات السريعة وتأثيرها على الصحة، وآخر من تطرق إلى هذا الموضوع السياسي الأمريكي العربي الأصل رالف نادر (Ralph Nader) الذي دعا إلى وضع خطة عمل وطنية من أجل مكافحة وباء السمنة الذي ينتشر بين سكان الولايات المتحدة نتيجة النظام الغذائي الذي يتبعونه في تناول الأكلات السريعة. وعلى وجه الدقة فإن حوالي (60%) من البالغين في أمريكا مفرطون في الوزن، وهو تيار يسير نحو «الانتفاخ» الذي تتحمل جزءًا كبيرًا منه صناعة الوجبات السريعةبحملاتها الدعائية التي لا ترحم.
الغزو الغذائي
لقد أثار الجدل الدائر حاليًا بين أنصار تناول الوجبات السريعة وبين أنصار «الوجبات البطيئة» الاهتمامَ مجددًا بما تنتجه شركات الغذاء الكبرى وضرورة مراقبة ما تقدمه من أطعمة قد تحمل تلوثا وإشعاعًا وأخطارًا مجهولة تمثلها المحاصيل المعدلة وراثيًا التي لا تحمل أية علامات تدل على تعديلها الوراثي. ويذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن هناك وباء عالميًا يسمى الوجباتالسريعة (Junk Food) أخذت تحل مكان الغذاء التقليدي الذي يتناوله الناس في كل أنحاء العالم، وأن مطاعم الوجبات السريعةالكبيرة أضحت تنشر شبكتها من الأطعمة ذات الذوق المتدني في كل دول العالم. وحسب مجلة «الإيكونومست» The Economist فإن هذا «الغزو الغذائي» الذي تمثل قوته الضاربة شركة ماكدونالدز تفتح في فرنسا وحدها ما بين (30) مطعمًا و(40) مطعمًا جديدًا كل سنة بحيث بلغ العدد الإجمالي (900) مطعم أي بمعدل يفوق ما في معظم الدول الأوروبية المجاورة بما فيها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا ما عدا بريطانيا التي ما زالت في المقدمة.
هذا الواقع يطرح فرضية على قدر كبير من الأهمية، وهي أنه إذا كانت الدول الأوروبية قادرة على أن تستوعب هذا «الغزو الغذائي» من قبل الدولة ذات القطب الواحد، فهل الدول النامية، وخصوصًا الدول العربية، قادرة على مواجهة هذا «التدفق» الغذائي؟ إن المسألة تحتاج إلى الكثير من الدراسات التي ينبغي أن تراعي أن «الهجمة الغذائية» يرافقها في الوقت نفسه «هجمة ثقافية» أوالتعبير الأكثر دقة (الغزو الثقافي) الذي يأتي إلينا عبر الأقمار الصناعية وتستقبله الصحون اللاقطة ويدخل بيوتنا من غير استئذان. وخطورة «الغزو الغذائي» أنه أصبح جزءًا من نمط حياة وطريقة للعيش بأبعادها الثقافية والاجتماعية لا الغذائية فقط. هذا الغزو يستعين بسلاح بسيط أحد أدواته سندويتش «هامبورغر» وقارورة «كولا» فقط. بالإضافة إلى وجود مطعم لتقديمالوجبات السريعة، والباقي ماثل أمامنا وما نراه يتمثل في قدرة هذه المطاعم على فرض ثقافة غذائية جديدة، والعمل بطريقة ذكية على تغيير العادات الغذائية لشعوب العالم.. والمفارقة أن الدول الكبرى التي تفرض منطقها الغذائي على العالم بالطريقة نفسها التي تفرض فيها منطقها السياسي تقيس تقدم حضارة
الأمم وتقيّم دولها بعدد ما لديها من مطاعم وجباتها السريعة، بحيث أصبح ميزان العلاقات الممتازة يتطلب رضوخًا للعادات الغذائية التي تفرضها الدول الكبرى، وخير مثال على ذلك ما حصل في الاتحاد السوفيتي سابقًا.
القطب الغذائي بلا منازع
لقد كان غريبًا أن يصطف الناس طوابير طويلة أمام أول مطعم «ماكدونالدز» افتتح في موسكو بُعَيد سقوط النظام الشيوعي مباشرة، وهي إشارة لافتة تظهر شغف الروس بالأسلوب المعيشي الأمريكي إضافة إلى إشارة أخرى ذات مغزى، وهي «رأسملة» العادات الغذائية في عقر دار النظام الذي فشل في إشباع شعبه.
وبذلك تتبلور ثنائية المبدأ الذي يقوم على معادلة أنه كما أن الدولار يتحكم في أسواق النقد العالمية، فإن «الهامبورغر» أصبح القطب الغذائي بلا منازع، ومن غير المستبعد أن نشهد في المستقبل القريب سحب «الشيف» احتجاجًا من أحد مطاعم الوجباتالسريعة مثلاً إذا تأزمت العلاقات.. على غرار ما يحدث من توتر العلاقات السياسية بين الدول!..
ولكن ما يهمنا في الجانب العربي.. أي عندنا.. هو معرفة مدى تأثير هذا المنطق الغذائي على عاداتنا في تناول أطعمتنا.. وحتى لا نخوض في تعقيدات هذه المسألة، يكفي أن نشير إلى أن المنطقة العربية موضع اهتمام عالمي متعدد الجوانب، وهذا الاهتمام للأسف أسبابه ليست ودية إلا في الجانب الذي يحقق المصالح للدول الكبرى، ولهذا لم يكن مستغربًا أن يُلقي «الانتفاخ» الأمريكي من أكل الهامبورغر بثقله أيضًا على المنطقة العربية.
وجبات الأمراض السريعة
لقد أصبح الداء في منطقتنا من جراء تغيير عاداتنا الغذائية وباء لا يمكن السكوت عليه.. فالإحصاءات الصحية في الدول العربية تشير إلى ارتفاع كبير في نسبة الإصابة ببعض الأمراض، كالسرطان، والقلب، والضغط، والكوليسترول، والسكر.. وفي السعودية وحدها ارتفعت معدلات الإصابة بالسكر إلى (40%)، وهذا «الانتشار الغذائي» ـ حتى لا نستخدم عبارة أخرى ـ أفضى بالتالي إلى تغيير جذري في العادات الاجتماعية والتقاليد الأسرية.. حيث كانت فترة الغداء أو العشاء مناسبة لاجتماع عائلي يفتقده كثير من منازلنا في الوقت الراهن.. ناهيك من «نظافة» الوجبة المنزلية المعدة بأيدي أمهاتنا.
انحسار في الداخل
وهكذا فمن الملاحظ أنه في الوقت الذي تشهد فيه موجة الوجبات السريعة انحسارًا داخل أمريكا بسبب الدعوات الكثيرة لمكافحة السمنة، نجد أن العكس هو الذي يحدث في الخارج.. ففي أغلب بلدان العالم يجري فتح المزيد من مطاعم الوجبات السريعة.. لا بل إن هناك ثقافة جديدة بدأت تتبلور في طريقة تغيير العادات الغذائية.. ويبدو الأمر أكثر وضوحًا في الدول العربية كافة والخليجية خاصة حيث تغيير أنماط الحياة استتبع تغييرًا في أنماط الغذاء، ففي السوق السعودية تطورت وانتشرت مطاعم الوجباتالسريعة إلى حجم يصل إلى (750) مليون ريال، وهناك مثلاً المئات من المطاعم، بالمملكة العربية السعودية، في ظل غياب وعي شبه كامل بالآثار الصحية الضارة التي تنتج عن هذا الأسلوب الغذائي الطارئ على عاداتنا الغذائية.
ولم يعد من العجيب أن نسمع أحد الشباب وهو يتحدث بفخر عن تناوله يوميًا ما بين ست وجبات إلى سبع وجبات سريعة، وأن ذلك أغناه عن تناول أي أطعمة بالمنزل، وهذا الأمر يثير حفيظة الأمهات اللاتي يتذمرن من عزوف أبنائهن عن تناول أي وجبات غذائية في المنزل ما عدا تلك التي يطلبونها من المطاعم ويتناولونها بصحبة أصدقائهم.. لذلك فإن أي زائر لأي من مطاعمالوجبات السريعة لابد أن يلاحظ أن ما يجمع عليه رواد هذه المطاعم ينحصر في تزايد وتيرة الحياة العصرية والتعلل بكثرة المشاغل والهموم، فلم يعد هناك فرصة لتجمع أفراد الأسرة على مائدة واحدة كما كان يحدث من ذي قبل، بحيث أصبحت المأكولات السريعة تمثل مقررًا يوميًا عند الكثيرين رغم علم بعضهم بأخطارها الصحية على حياتهم!
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews