إنتاج «أوبك» .. وعودة النفط الإيراني

وفرة الإمدادات النفطية في حوض الأطلسي ضغطت على أسعار نفط خام بحر الشمال – برنت – خلال شهر حزيران (يونيو)، في حين أن الانخفاض المطرد في مخزونات النفط الخام الأمريكية دعم خام غرب تكساس الوسيط. لكن في بداية الشهر الحالي، أدى عدم اليقين والقلق في أسواق المال العالمية إلى انخفاض أسعار النفط بصورة حادة، ما دفع سعر خام برنت إلى التداول دون مستوى 60 إلى 70 دولارا للبرميل التي كان عليها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ما أثار استغراب الكثيرين، أن هشاشة أسواق النفط العالمية والتقلبات الكبيرة في أسواق السلع والمال قد تمت تغذيتها أخيرا بترنح أسواق الأسهم في الصين وأزمة الديون السيادية في اليونان. تصويت اليونان بـ "لا" على شروط خطة إنقاذ الدين، ألقى بظلال من الشك على عضويتها في اليورو وضغط على أسعار تداول اليورو مقابل الدولار، ما أسهم في الضغط على أسعار النفط. حيث إن الدولار الأمريكي القوي يجعل النفط المسعر به أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى.

ما فاقم من الضغوط التنازلية على أسعار النفط هو المخاوف من احتمالية تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، وتزايد الاحتمالات من وصول كميات إضافية من النفط إلى الأسواق في النصف الثاني من العام أكبر ما كان متوقعا في السابق، حيث إن عدد منصات الحفر العاملة في الولايات المتحدة بدأ بالارتفاع من جديد بعد نحو 29 أسبوعا متتاليا من التراجع، مدعوما أيضا بحرص إيران على رفع صادراتها من النفط الخام بعد التوصل إلى اتفاق مع الدول الغربية بخصوص ملفها النووي. على الرغم من أن هذا قد لن يكون قبل العام المقبل، على الأرجح في الربع الثاني من عام 2016.

لقد تبين أن التوقع بأن يدفع فائض النفط الخام العالمي أسعار خام بحر الشمال – برنت – دون مستوى 60 دولارا للبرميل في وقت ما من الربع الثاني من هذا العام هو سابق لأوانه، حيث تم استيعاب جزء كبير من هذا الفائض في الخزانات أو تم تكريره إلى منتجات. لكن في السادس من الشهر الحالي تراجعت أسعار العقود الآجلة لخام برنت بنحو 6.3 في المائة ليغلق عند 56.54 دولارا للبرميل نتيجة لمزيج من العوامل الاقتصادية، المالية، الفنية، والأساسية (تلك المتعلقة بأساسيات السوق). كان عدم اليقين الرئيس هو أسواق الأسهم في الصين، حيث إن قيام الحكومة بضخ كميات من السيولة النقدية لإنقاذ السوق لم يمنع عشرات الشركات من وقف التداول لتفادي خسائر كبيرة. في الواقع التوقعات بانخفاض النمو الاقتصادي في الصين أثرت سلبا في جميع السلع، ولكن النفط تأثر بصورة خاصة.

بالفعل كان خام برنت يتراجع ضمن نطاقه السابق بين 60 إلى 70 دولارا للبرميل، والتراجع السريع في هوامش تكرير المصافي الآسيوية يشير إلى ضعف في الطلب العالمي على النفط في ظل استمرار وجود فائض الخام. إن استمرار نمو إمدادات النفط في الولايات المتحدة سوف يحافظ على وفرة النفط الخام الخفيف الحلو في حوض الأطلسي، في حين أن ارتفاع إنتاج العراق وإيران قد يكرر هذا الفائض في أسواق النفط الخام المتوسط الحامضي، وبشكل خاص في آسيا. كل هذا سوف يفاقم من التحديات التي تواجه أسواق النفط.

فعلا منذ أواخر أيار (مايو)، تراجعت هوامش تكرير المصافي الآسيوية بنحو 4.5 دولار للبرميل إلى 0.5 دولار للبرميل فقط في بداية تموز (يوليو) في إشارة إلى أن الطلب الآسيوي على النفط - الذي كان في النصف الأول من العام أعلى بكثير مما كان متوقعا – قد بدأ يخفت. إن ضعف هوامش التكرير سوف تدفع شركات المصافي الآسيوية إلى خفض معدلات التشغيل وسحب المزيد من المنتجات من المخزون لتلبية الطلب، ما قد يؤدي إلى تراجع الطلب على النفط المتوسط الحامضي المتزايد من منطقة الشرق الأوسط ومن فائض النفط الخفيف الحلو من حوض الأطلسي، التي لعبت آسيا دورا رئيسا في استيعابه في السنوات الأخيرة. وهذا بدوره سوف يضع الضغط على خام برنت، الذي على أساسه تسعر معظم نفوط حوض الأطلسي الخفيف الحلو.

على الرغم من مضي ثمانية أشهر على قرار منظمة «أوبك» الحفاظ على سقف إنتاجها، لا تزال هناك كميات كبيرة من فائض النفط الخام في الأسواق، ولكن ميزان العرض والطلب يسير في الاتجاه الصحيح. حيث إن تداول الخام الأمريكي عند مستويات متدنية من 50 دولارا للبرميل وضع ضغوطا على إنتاج الصخر الزيتي هناك. في الوقت نفسه تقوم «أوبك» بالحفاظ على مستوى إنتاج فوق 31 مليون برميل في اليوم للدفاع عن حصتها في السوق، خصوصا مع قوة الإنتاج السعودي والعراقي. إذا ما أرادت إيران ضخ كميات إضافية من النفط إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، سوف يجب عليها تقديم خصومات على نفطها. لذلك طلبت إيران في أكثر من مناسبة إعادة نظام حصص الإنتاج إلى منظمة «أوبك» لتسهيل عودة صادراتها إلى الأسواق بعد رفع العقوبات عنها.

إذا ما استمرت "أوبك" في الحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية، حتى من دون عودة النفط الإيراني، فإن فائض النفط الخام سوف يعود ويرتفع في النصف الثاني من عام 2015. في الوقت نفسه، من المتوقع أن يصل إنتاج الولايات المتحدة إلى 10 ملايين برميل في اليوم بحلول نهاية العام، أي بمعدل نمو سنوي قرب مليون برميل في اليوم. ولكن في العام المقبل، من المتوقع أن ينمو إنتاج الولايات المتحدة بنحو بضع مئات من آلاف البراميل في اليوم، وسوف لا يتجاوز نمو الإنتاج من خارج «أوبك» ككل 300 ألف برميل في اليوم على أساس سنوي. من المتوقع أن يؤدي هذا إلى السحب من مخزون النفط الخام والمنتجات.

(المصدر: الاقتصادية 2015-07-22)