كل الدروب تؤدي إلى القدس
قد لا يكون صمود مدينة الزبداني استثنائيا، فقد صمدت من قبل مدن سورية أخرى، وما زالت بعض تلك المدن صامدة رغم الحصار الشديد، وتعرضها للقصف شبه اليومي، إلا أن الاستثنائي في حالة الزبداني هو أن المدينة السياحية التي قد تكون الأجمل في ريف دمشق، تتعرض لهجمة شرسة ونية مبيّتة لاقتحامها، والسيطرة عليها، لا من قبل قوات النظام فقط، بل من قبل ميليشيا حزب الله اللبناني، الذي قرر الزج بكل ما أوتي من قوة على ما يبدو لحسم هذه المعركة لصالحه، وخاصة بعد أن تعذر عليهم تحقيق تقدم في منطقة القلمون التي حشدوا لها إعلاميا وعسكريا فلم يحققوا سوى خسائر متتالية، وقد وعدهم حسن نصرالله، قائد الميليشيا نفسه، بأن يكون الانتصار في القلمون شبيها بما حدث في مدينة القصير، التي تمكن الحزب من دخولها قبل سنتين ورفع راياته السوداء فوق مآذن مساجدها معلنا نفسه قوة احتلال.
قبل ذلك التاريخ كان حزب الله لا ينفك يعلن أنه لا يتدخل في الصراع الدائر في سوريا بشكل مباشر، رغم الأدلة التي كانت تظهر كل يوم مشاركته في قتل السوريين.
لكن بعد معركة القصير قال إن اشتراكهم هو واجب جهادي، للتصدي إلى إسرائيل وتحرير فلسطين، واعتبر أن خطابه الشهير الذي أعقب معركة القصير هو البداية الفعلية للزحف نحو فلسطين، وطالب كافة المقاومين من أمثاله بالانضمام إلى ميليشياته، وإن كانت هزائم حزب الله وقوات النظام السوري قد توالت في الفترة الأخيرة، بدءا بخسارتهم لمواقعهم الإستراتيجية جنوبا في درعا وريفها، واندحارهم، بشكل كلي شمالا في محافظة إدلب، وفقدانهم القدرة، كليا، على إعادة السيطرة على الأمور في محافظة حلب المرشحة، بدورها، للانتقال إلى الجانب الآخر.
كل هذه المعطيات تجعل معركة الزبداني معركة حاسمة، وقد تكون بوابة لخروج حزب الله من سوريا، وخاصة في ظل الأزمة الداخلية اللبنانية المرشحة بدورها للتطور نحو الأسوأ بطبيعة الحال إن لم يتم لجم الحزب وحلفائه، ولذلك لم يجد حسن نصر الله بدا من توجيه خطاب لمن تبقى من جمهوره ليذكرهم فيه بمقولته الأثيرة وهي أن «الطريق لتحرير بيت المقدس لا بد أن يمر عبر مدينة الزبداني»، وإن كانت عوامل الجغرافيا قد أبعدت الزبداني كليا عن أي احتكاك بفلسطين أو الأراضي المحتلة، إلا أن نصر الله لا يبدو مكترثا كثيرا بمدى دراية جمهوره أو ربما تساؤلهم عن الرابط بين القدس والزبداني، ولهذا فإن مرابض مدفعيته التي أمطرت المدينة بالقذائف والصواريخ طيلة الأيام الماضية، والتي كانت تبحث عن ثغرة تحدثها في جيش العدو “الإسرائيلي” الوهمي المحاصر في الزبداني دون ماء أو كهرباء بل وحتى طعام منذ قرابة سنتين، فشلت في أن تكسب المعركة الإعلامية زخما حربيا، ولم يستطع مرتزقة حزب الله التوغل إلى قلب المدينة، بل اكتفوا بالوقوف على أطرافها متكبدين خسائر كبيرة وانهيارا في المعنويات، وقد جعلته في الآخر يفقد أعصابه كليا، وينتهز فرصة يوم القدس ليذكرهم بأن الطريق إلى القدس يمر حتما عبر الزبداني إن كانوا قد تناسوا هذه المعلومة المهمة، كل هذا لم يحقق ما هو مطلوب، لأن النعوش التي تتوافد على الضاحية الجنوبية لبيروت تؤكد أن تحرير فلسطين الذي وعد به نصر الله جمهوره ما زال بعيدا، وعليهم أن ينتظروا ريثما يبحث سماحته عن طريق جديدة، لأنه، وعلى ما يبدو، فإن كل طرق نصر الله تؤدي إلى القدس، وفق بوصلة المرشد الإيراني القابع في قم، مستمتعا بهذا الخراب الذي تصنعه ميليشياته حيثما حلت، ألم يقل نصر الله الآخر هناك في اليمن عبدالملك الحوثي: إن مضيق باب المندب سيقودهم حتما إلى القدس؟
(المصدر: العرب 2015-07-14)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews