النائب العام والأهلى والزمالك
معظم أخطائنا تأتى من اضطرار كثيرين منا للبحث عن أى كلام يريدون به إثبات مشاركتهم فى أى حدث وحديث يشغل الناس ويهمهم.. فلا أحد من هؤلاء على استعداد للسكوت لأنه لا يملك جديدا يقوله.. لا أحد منهم يقبل أن يبقى بعيدا عن الصخب الدائر ولا يكون له نصيب حتى لو اضطر لارتكاب حماقات ترويج الشائعات والأكاذيب أو استباق الأمن والقضاء لأدلة وأحكام الإدانة.. وأنا أعترف بأنه ليس لدىّ جديد أضيفه عن جريمة اغتيال المستشار هشام بركات، النائب العام لمصر، والرجل رفيع القدر والمقام.. ولكن لدىّ أقوال أخرى تخص هذا المنصب القضائى الرفيع وعلاقته بالأهلى والزمالك.. وإذا كان كل الناس يعرفون أن المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام الأسبق، كان عضوا بمجلس إدارة الأهلى قبل توليه هذا المنصب.. وهو رجل رصين ومحترم يعشق كرة القدم والأهلى أيضا.. فإنه لا أحد يعرف علاقة الصداقة والاحترام المتبادل التى كانت تربط بين جورج مرزباخ، الذى أسس نادى الزمالك، والبارون فان دن بوش الذى كان أيضا النائب العام لمصر عام 1924.. حين وقعت الأزمة أو الصدام الحاد بين الملك فؤاد وسعد باشا زغلول، زعيم الأغلبية، حول من منهما له حق التعيين فى مجلس الشيوخ.. وتصاعد الصدام وحدة المواجهة فاقترح الملك فى النهاية الاحتكام للنائب العام ليكون هو صاحب القرار وفق دستور البلاد.. وتعددت اللقاءات التى جمعت بين البارون فان دن بوش وجورج مرزباخ.. وانتهى الأمر بالنائب العام لأن يعلن أن التعيين حق أصيل لزعيم الأغلبية المنتخب وليس للملك وحكومته.. وكان هذا هو رأى جورج مرزباخ أيضا..
فرجال القضاء والقانون لا يهابون السلطان أو الملك أو صاحب السلطة.. فهم حراس العدالة العمياء التى لا تفتح عينيها ولا تصنع أحكامها وفق الهوى والرغبات الملكية.. وقد كان جورج مرزباخ محاميا قديرا وشهيرا أيضا.. كان أحد الوجوه والأسماء المهمة التى لابد منها إن دار أى حديث عن بلجيكا أو البلجيك فى مصر.. وقد كان أحد الضيوف الذين يمكن أن يدعوهم السلطان حسين- مع وجهاء البلجيك وكبارهم وقادتهم- إلى قصر عابدين سواء لتناول طعام المآدب أو لتبادل الحوار وإبداء الرأى.. وقد أنعم عليه السلطان بالبكوية على عكس عديد من المحامين الآخرين سواء من البلجيك.. أو من بقية رعايا الدول التسع التى أسست المحاكم المختلطة.. وإلى جانب لقب البكوية.. نال مرزباخ عدة ألقاب وأوسمة أخرى.. مثل نيشان النبيل.. ونيشان اللجيون دونيز.. وكان من الواضح أنه رجل حكيم له تجربته القانونية المميزة بدليل أنه أصبح أحد المستشارين القلائل الذين يصغى إليهم البارون إمبان ويلتقى بهم أو يحتاج إليهم وهو يؤسس ضاحية مصر الجديدة ويبنيها وبسببها تتوالى أزمات البارون ومشكلاته ومواجهاته وصداماته سواء مع الحكومة أو مع الطامعين فى مصر الجديدة.. وقد دارت الأيام بالملك فؤاد ليطلب معاونة مرزباخ فى صراعه الجديد ضد مصطفى النحاس باشا.. وفاز مرزباخ بثقة زملائه المحامين فتم انتخابه نقيبا للمحامين أمام المحاكم المختلطة.. وواضح أيضا أن صحبته كانت رائعة وممتعة لدرجة أن يحرص هوارد كارتر على اصطحابه هو وزوجته معه إلى الأقصر فى الوقت الذى كان فيه كارتر قد أصبح ملء الدنيا وشاغل الناس بعد اكتشافه المهم والرائع لمقبرة توت عنخ آمون.. وإلى جانب ذلك كله.. كان رجل خير تعددت مشاريعه وإسهاماته المادية والفكرية والمعنوية فى تأسيس وإنشاء عديد من المستشفيات ووحدات صحية وملاجئ.. وهو أخيرا الرجل الذى أهدى لمصر نادى الزمالك عام 1911، ثم ترك رئاسته فى هدوء للفرنسى بيانكى قبل أن يموت فى السابع عشر من شهر فبراير عام 1928.
(المصدر: المصري اليوم 2015-07-02)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews