هل انتهت «اللحظة الأميركية» في الشرق الأوسط؟
منذ سنوات والباحثون والخبراء يناقشون التساؤل حول مستقبل الدور الأميركي في الشرق الأوسط، وكما ذهب فواز جرجس في كتابه «أوباما والشرق الأوسط»، فإن مقدمات هذه اللحظة والانحدار النسبي للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط يجب أن ترى في سياق أوسع، حيث حدث توزيع عالمي للقوى بعيداً من عالم القطب الواحد الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة، إلى عالم متعدد الأقطاب بقوى متعددة جيو اقتصادياً وجيو سياسياً، فلم تعد الولايات المتحدة هي القوة الأعلى كما كانت بعد الحرب العالمية الثانية، وفي الشرق الأوسط فإن كلاً من تركيا وإيران تقدمان نفسيهما كلاعبين محوريين بأجندات خاصة للسياسة الخارجية ومصالحهما التي تتناقض ومصالح الولايات المتحدة. ويستخلص هؤلاء الباحثون أن وضع أميركا الراهن، يماثل وضع بريطانيا عند نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتجدد أخيراً هذا الجدل على أساس الانتقادات التي يواجهها أوباما في الداخل والخارج حول سياساته في الشرق الأوسط، ابتداء من تعامله مع الثورات العربية، وافتقاره لاستراتيجية التعامل مع حالات الغليان في سورية وليبيا، فضلاً عن نتائج انسحابه من العراق وأفغانستان، وفشله في منع إيران من تثبيت موقفها في العراق. إزاء هذه الانتقادات يرد أوباما بأنها المرة الأولى منذ 14 عاماً والولايات المتحدة ليست متورطة في حروب أرضية.
هذا الالتزام من جانب أوباما منذ حملته الانتخابية عام 2008، بعدم إرسال قوات أرضية إلى مواقع الصراعات أصبح تابواً بالنسبة لأوباما. يدعم منه تقديره أن الرأي العام الأميركي بعد حرب العراق وأفغانستان لم يعد يوافق على إرسال أبنائه إلى هذه المناطق المضطربة.
وخصصت مجلة «الإيكونومست» عددها بتاريخ 6 حزيران (يونيو) حول «فقدان الشرق الأوسط»، حيث جادلت أنه على رغم التزام أوباما بعدم إرسال قوات أرضية إلا أنه كثف ضربات الطائرات من دون طيار على مواقع الإرهابيين، وضرب أهدافاً في أفغانستان، وباكستان، والصومال، واليمن، وليبيا، والعراق، وسورية، وهي الضربات التي تضمنت مقتل بن لادن. وتحت وقع الهجوم عليه لغياب خطة لمحاربة الجماعات المتطرفة، وبعد نكسة الرمادي، أعلن عن نشر 400 من القوة الإضافية، ولكنه أكد أنهم مدربون للقوات العراقية وليسوا قوة محاربة. ولخص أوباما سياساته حول الشرق الأوسط في خطابه أمام الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2014 حيث حدد 4 مصالح أساسية ستكون أميركا مستعدة لاستخدام كل عناصر قوتها، بما فيها القوة العسكرية: حماية الحلفاء ضد أي «اعتداء خارجي»، ضمان تدفق البترول والغاز، منع الهجمات الإرهابية ضد أميركا، وقف انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل.
حول هذه المصالح ستكون أميركا مستعدة للعمل بمفردها، وللترويج لمصالحها مثل نشر الديموقراطية والسوق الحر، وهي في هذا تفضل العمل المتعدد. وفي المدى القريب ستركز أميركا على متابعة هدفين مراوغين: السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واتفاق مع إيران للحد من برنامجها النووي. أما الحرب الأهلية السورية، فهي في رأي أوباما «لن تحل بالقوة العسكرية الأميركية»، ومع هذا فإن الولايات المتحدة تساهم في هزيمة الأسد من خلال تدريب وتسليح «القوى المعتدلة» السورية.
ولا يتوقع الخبراء تغيراً في نهج أوباما في الفترة المتبقية من رئاسته، أما الرئيس الجديد فإن من المتوقع أنه قد يبدي حرارة أكثر تجاه إسرائيل، والتسامح مع موضوع المستوطنات في الأراضي المحتلة، وسوف يفعل أكثر لتأكيد الضمان الأميركي لأمن دول الخليج، وقد يكون أكثر تشدداً مع إيران، وفي العراق فإن «قوات خاصة» قد تنطلق من قواعدها للمساعدة في تحديد مواقع وأهداف الإرهابيين. وحول سورية فإن جهداً أكبر سوف يبذل لتدريب القوى المعتدلة، وقد يكون هناك نوع ما من مناطق حظر الطيران.
علي أية حال، فإن الثابت هو أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في حال ارتباك، وسوف تظل يتجاذبها تياران: التيار الأول الذي يعتقد أن الولايات المتحدة لاعتبارات مصالحها الاستراتيجية والأمنية لا تستطيع أن تنسحب من المنطقة وتتجاهل صراعاتها، أما التيار الثاني فهو يعتبر أن صراعات المنطقة تخص أبناءها وعليهم أن يتوصلوا إلى تسويات لها، ويدعم هذه الرؤية أن العامل الذي ظل حاكماً للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط وهو البترول، فإن القارة الأميركية خلال عقد سوف تنتج من الطاقة بقدر استهلاكها، هذا فضلاً عن استراتيجية الاتجاه نحو شرق آسيا بوعودها الاقتصادية والاستراتيجية.
(المصدر: الحياة 2015-07-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews