الجمعة السوداء في الكويت وتونس وفرنسا
فتحت الكويت حضنها الدافئ لكل من طرق بابها من العرب وغير العرب ، هناك ولدت وأمضيت طفولتي وحصلت كغيري على أحسن تعليم وعلى حياة تتوفر فيها كل المزايا الإنسانية الكريمة.
كنا نقف كل يوم في المدرسة الحكومية ونهتف : تحيا الكويت، تحيا فلسطين حرة آبية، تحيا الأمة العربية .
هي بلد رمز للسلام والوئام والخير ، ولقد هالني تفجير مسجد الإمام الصادق الذي وقع خلال صلاة الجمعة في منطقة الصوابر في الكويت والذي راح ضحيته ٢٨ قتيلاً وأكثر من ٢٠٠ جريح، وهذا التفجير " الخطير " ليس المراد منه سوى تصعيد للفتنة وتوسيع لمداها وإغراق للمنطقة بالدم، ولا أدري بأية عقيدة فاسدة يفجر شخص نفسه بمصلين في مسجد، كائناً ما كان مذهب هؤلاء المصلين.
تنظيم داعش ، كما كان متوقعا ، تبنى هذا العمل الإجرامي الإرهابي ، ولم يتضح بعد " حتى كتابة هذه السطور على الأقل " إلى من ينتمي ذلك الإرهابي الذي هاجم مصنعا في جنوب شرق فرنسا ما أدى لوقوع قتيل ذبحاً وعدة جرحى، وكذلك تبنى داعش التفجير في فندق مدينة سوسة التونسية ما أدى لوقوع ٣٨ قتيلاً ومصابين، جميعها هجمات وقعت في اليوم نفسه : ثاني جمعة من رمضان استجابةً كما يبدو لكلمة أبو محمد العدناني، المتحدث بإسم التنظيم، مساء الثلاثاء الماضي، حيث دعا عناصر التنظيم في العالم، لتنفيذ عمليات إرهابية في شهر رمضان .
يهدف التنظيم بأفعاله الإجرامية التي تضرب العالم شرقاً وغرباً نسفاً وتقتيلاً وسبياً وتدميراً، إلى التأكيد على جبروته وتوسيع رقعة انتشاره وأنه قادر على الضرب بقوة وقسوة خارج المناطق التقليدية التي يتحرك فيها : سورية والعراق .
لقد أراد هذا التنظيم المتطرف ضرب الاستقرار في تونس التي تحاول وتعمل بجد على اجتياز مرحلة ما بعد ربيعها بنجاح ، وطمأنة الشعب والشارع التونسي عموما إلى مصير بلاده ما بعد الثورة، وإذ بهذا الهجوم على الفندق يضرب السياحة في مقتل ، وهي كما هو معروف ، عصب الاقتصاد التونسي.
أما في الكويت فقد أراد تنظيم داعش بتفجيره مسجداً أغلبية المصلين فيه من الشيعة ، اللعب على الوتر الطائفي وضرب اللُحمة الاجتماعية الكويتية وتفجير تناقضات المجتمع من الداخل وإشعال الكويت كغيرها من بعض دول المنطقة العربية التي تشتعل فيها الحرب الطائفية المدمرة.
إن المنطقة العربية برمتها تشهد اليوم تطورات أمنية خطيرة، ولا يكاد يوجد بلد عربي واحد آمن أو بمعزل عن هذا الخطر الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة الاقليمي والمحلي.
على العرب في المرحلة المقبلة مهمة صعبة من أجل مواجهة هذا التطرف المدمر وغيره من التحديات والأطماع التي تواجه وحدة واستقرار بلادنا، حيث لم يعد كافياً تصريحات الإدانة والرفض ، بل بات واجبا العمل بشكل جدي لمعالجة هذه الآفة من جذورها ومواجهة الإرهاب الذي تموّله الدول الساعية إلى تفتيت بلادنا وتقسيمها تحقيقاً لأطماعها ومصالحها، وهذا لن يتم في ظل غياب العدالة والقانون والفكر العقلاني والكرامة الإنسانية.
يجب معالجة الظلم والقهر والتهميش في عالمنا العربي والعالم الثالث الذي يفرز شبابا عاطلا عن العمل ضائعا فاشلا وبدون مستقبل، شبابا يجد من يتلقفه ويغذي عقله ويزرع فيه أفكاراً ترفع من شأنه وتصنع منه بطلاً وأسطورة ولو بدماء الأبرياء .
إن هذا السرطان التطرفي الإرهابي الذي ينهش في الخارطة العربية وتموّله الأطماع الاستعمارية التي تهدف إلى إعادة تقسيم الدول العربية والإسلامية الكبيرة إلى دويلات صغيرة وضعيفة تستنزف نفسها في صراعات داخلية وحدودية لتبديد قوتها، يدفعني إلى طرح السؤال الذي يحتاج إلى إجابة جدية: هل حقاً تعي حكوماتنا العربية حقيقة ما يجري ؟ وهل تستعد باستراتيجية واضحة لمواجهة وإفشال مخطط التقسيم والتجزئة التي تستهدف بلادنا ومجتمعاتنا ؟!!.
هذا هو السؤال .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews