فرنسا في الشرق الأوسط

يحاول وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وهو يستطلع الشرق الأوسط حول مبادرة سلام جديدة بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، أن يظهر بلغة دبلوماسية تبدي حرصاً على حل الدولتين وتحذر من السقوط في «العنف»، ولكن آفاق نجاح هذه المبادرة تظل ضعيفة للغاية، لاسيما أن المعني الأساسي، بنيامين نتنياهو، أعلن مسبقاً رفض «الإملاءات الدولية»، بينما رحب الفلسطينيون والجامعة العربية ولم يتحدثوا عن «إملاءات».
تعلن المبادرة أن الاتفاق المأمول على استئناف المفاوضات الفلسطينية «الإسرائيلية» سيكون محدداً بجدول زمني لا يتجاوز 12 شهراً، وهي شروط مستوحاة من مشروع قرار تقدم به الفلسطينيون العام الماضي إلى مجلس الأمن الدولي وأسقطه «فيتو» أمريكي حتى لا يكتسب مشروعية وإلزامية بموجب الإرادة الدولية. ومنذ البدء يوحي الموقفان الأمريكي و«الإسرائيلي» وكأن المبادرة الفرنسية لم تكن لأسباب عدة، أهمها أن التحرك الفرنسي جاء بعد فشل الوساطات الأمريكية في السنوات الماضية بدءاً من مساعي المبعوث الرئاسي الخاص جورج ميتشل، صاحب الجولات المكوكية العديدة، وانتهاء بمحاولة وزير الخارجية جون كيري ربيع العام الماضي. وبعد تلك المحاولات نشأت ظاهرة «الإحباط الأمريكي»، التي تجلت في فتور العلاقات بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو تحديداً، ورغم أن التوتر نادر، إلا أن جوهر العلاقة بين الطرفين لم يتأثر وما زالت التعهدات الأمريكية بالمحافظة على أمن «إسرائيل» وتفوقها في المنطقة تتوالى من وقت إلى آخر.
في هذه الأجواء، تحاول فرنسا أن تستثمر الفشل الأمريكي محاولة انتزاع الدور التقليدي الذي تلعبه واشنطن في رعاية مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، والفرنسيون، رغم أنهم يدركون صعوبة المهمة، ويحرصون على خوض المغامرة اعتماداً على حضورهم المتنامي في المنطقة. ومع اقتناعهم بعدم قدرتهم على تعويض الدور الأمريكي، يدرك الفرنسيون ضرورة موافقة واشنطن لتأمين أي خطوة يجري قطعها. وبالإجمال فإنه لا فرق جوهري بين المساعي الأمريكية والفرنسية، فكل الطروحات تدعو إلى انسحاب «إسرائيل» إلى حدود الخامس من يونيو/حزيران ووقف الاستيطان والقبول بحل الدولتين، وسواء جاءت المبادرة بلغة إنجليزية أو فرنسية فهي تسعى إلى الهدف نفسه، والذي لن يكون على حساب «إسرائيل» إطلاقاً. ورغم إعلان فابيوس في القاهرة وعمان أن باريس صديقة لجميع الأطراف لا يكفي لإنجاح الوساطة.
أخطر ما سيواجهه التحرك الفرنسي هو حكومة نتنياهو الجديدة، الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان والتي لا يؤمن أغلبية أعضائها بحق الشعب الفلسطيني في الوجود، هذه الحكومة أسقطت من أجندتها أي حديث عن السلام، معتمدة على انشغال المنطقة بحروبها العبثية وفتنها الطائفية لتطلق يد الاستيطان في الضفة الغربية وحملات التهويد في القدس، بينما يظل وضع قطاع غزة على حاله، محاصراً منذ ثماني سنوات، وقد يتعرض إلى عدوان جديد بين يوم وآخر، بحسب تحريض صهيوني وتقديرات فلسطينية ودولية.
الشرق الأوسط بأكمله بحاجة إلى سلام شامل شرطه الرئيسي منح الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة ولجم الكيان المتطرف عن سياساته التوسعية، وهي مهمة تتطلب إرادة قوية من المجتمع الدولي والتزاماً بمبادئ الشرعية، وقد تستطيع فرنسا أن تساهم في دفع الأمور إلى هذا الاتجاه، ولكنها لن تستطيع، بالشروط الحالية، أن تغير المنطقة.

(المصدر: الخليج 2015-06-22)