ماذا يعني التقارب بين السعودية وروسيا ؟
بعد ما كان الجمود هو السمة الأبرز التي اتصفت بها العلاقات بين المملكة العربية السعودية وروسيا الإتحادية لفترة طويلة بسبب التعارض في المواقف بين البلدين تجاه العديد من القضايا الدولية والاستراتيجية ، تأتي زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع يوم الخميس الماضي إلى روسيا ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة بطرسبورغ ، لتضع لبنة جديدة في مسار العلاقات بين البلدين السياسية والاقتصادية والأمنية.
إن هذه الزيارة التي وصفها الكثيرون بالتاريخية، والتي لم يتم الإعلان عنها إلا قبل ساعات قليلة من مغادرة الأمير للمملكة بعد سلسلة من المشاورات التي أحاطتها السرية التامة بين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس فلاديمير بوتين، من شأنها أن تؤثر بنسب متفاوتة ولكنها مهمة على قضايا المنطقة الساخنة في كلٍّ من العراق وسوريا واليمن .
نقول ذلك ، رغم أن أكثر ما شملته الزيارة تمحور في المجال الاقتصادي والاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، والتعاون في مجال إنتاج النفط والغاز والفضاء والاسكان بالإضافة إلى التعاون في المجالات العسكرية ، ولا يُقرأ كل ذلك بعيدا عن حرص السعودية على ضبط التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية ، وهي التدخلات التي تهدف طهران من خلالها إلى تحقيق مشروعها الصفوي الفارسي في المنطقة ، والذي تحاربه السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز الحكيمة.
كما يرجى من هذا التطور في العلاقات السعودية الروسية، وضع حد لتنامي ظاهرة التنظيمات الإرهابية مثل : داعش والحوثيين وجبهة النصرة والقاعدة وغيرها من التنظيمات التي بدأت تعبث بأمن واستقرار المنطقة.
وعلى الرغم من تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب زيارة الأمير محمد بن سلمان بأنها لن تغير من موقف وسياسة روسيا تجاه دعم النظام السوري، إلا أن الأيام القليلة القادمة ستثبت عكس هذا الإدعاء، حيث أن المرحلة القادمة ستشهد تقاربا وتطورا في العلاقات بين البلدين تضمن صيانة مصالحهما الاستراتيجية المشتركة والتي من المؤكد أن لا يُستثنى منها النظام السوري.
لقد أثارت هذه الزيارة المهمة قلق الولايات المتحدة الأميركية التي تابعتها باهتمام ، إذ يخشى الإستراتيجيون الأميركيون أن يتسبب هذا الإنفتاح بين المملكة ( أهم حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة ) وروسيا ( العدو اللدود لأمريكا ) في إعاقة الجهود الأميركية الأوروبية الرامية إلى فرض عقوبات اقتصادية إضافية على روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا، وهذا ما أكدت عليه اتفاقية التعاون واسع النطاق التي ناقشها وزير النفط السعودي علي النعيمي مع نظيره الروسي والتي ستؤدي حتماً لحدوث تحسن في الاقتصاد الروسي ، ما سيُضعف أثر العقوبات الاقتصادية المذكورة ، بالإضافة إلى مخاوف أمريكية حقيقية من خسارة حليف قديم .
إن هذا الحراك السعودي من شأنه أن يحقق مصلحة العالم العربي كله، ويُعيد الأمن والسلام للمنطقة ويمنع الأيادي الآثمة ، أيا كانت ، من الإستمرار في عبثها بسيادة واستقرار الدول العربية والإسلامية ، وهذا هو الهدف الأسمى .
د. فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews