«عنصرية» الشرطة الأميركية ... أزمة أخلاقية أم سياسية؟
لقد كان الرئيس الأميركي باراك أوباما مصيباً في تشديده على أن مستقبل الولايات المتحدة مرهون بحل مشكلات التمييز العنصري، بعد احتجاجات نابعة من ممارسات للشرطة ضد السود الذين يعتقدون أن القضاء متواطئ فيها «بالتستر»، فالولايات المتحدة، بلد الفرص وتحقيق الأحلام، لم تبن مجدها بإرث سكان الوسط الغربي من البيض، بل على أساس أنها بلد استقطب كفاءات مهاجرة من أنحاء العالم وأتاح لها تحقيق إبداعات في كافة المجالات.
لم يتوهم أحد قط أنه تم اجتثاث العنصرية بالكامل من المجتمع الأميركي خلال العقود الأخيرة التي تلت «انتفاضة الستينات»، لكن كان هناك اعتقاد أن دولة المؤسسات أو مؤسسات الدولة، تمكنت من كبح جماح تلك النزعة نسبياً، ووفرت حماية ورعاية متساويتين لأبناء كل الأعراق، والدليل وصول أوباما نفسه إلى رأس هرم السلطة... الأمر الذي رسم صورة وردية زاهية لمستقبل التعايش في «بلد الفرص».
وسرعان ما اهتزت تلك الصورة في بالتيمور ونيويورك ومناطق أخرى حيث وجدت الشرطة الأميركية نفسها على خط تماس مع المواطنين السود، حتى وصل الأمر إلى تسجيل 385 حادثة قتل خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، أي بمعدل جريمتين في اليوم، كما أوردت صحيفة «واشنطن بوست» نهاية الأسبوع الماضي، استناداً إلى إحصاءاتها الخاصة.
لم يكن الضحايا كلهم من السود وأبناء الأقليات الأخرى، بل نصفهم من البيض. غير أن الإحصاءات تبيّن أن ثلثي القتلى العُزّل من السود والمتحدرين من أصول لاتينية، وأن معدل قتل السود، زاد ثلاث مرات عن البيض والأقليات الأخرى.
لكن التساوي في المأساة والنكبة لا يغطي كون أعمال القتل برصاص رجال إنفاذ القانون، هي بمثابة إعدامات من دون محاكمة، وهو أمر مسيء لصورة الولايات المتحدة، والأهم أنه مضر بالتعايش والاندماج في المجتمع الأميركي.
عند اندلاع شرارة المواجهات الأولى مطلع العام، كان لا بد من أن يمتلك أوباما الجرأة ليؤكد أن «القوانين لا تطبق في شكل متساو دائماً»، لافتاً إلى أن الشباب من أصول أفريقية ولاتينية «يتعرضون لمعاملة مختلفة من قبل السلطات الرسمية في حالات التوقيف والاعتقال والعقاب، في أماكن كثيرة في البلاد».
والإشارة إلى «معاملة مختلفة» هي تأكيد على التمييز، ليس فقط على مستوى عمليات المطاردة والاحتجاز التي تنفذها الشرطة، بل أيضاً على صعيد العقاب، وهو أمر منوط بالقضاء وأجهزته.
ومع الأخذ في الحسبان الأرقام التي أوردتها «واشنطن بوست»، فإن أحداً لم يسمع عن عدد متواز من الإجراءات القضائية للبت في المسؤوليات عن الجرائم.
صحيح أنه لا يجوز التعميم بالقول إن الشرطة الأميركية عنصرية بالمطلق، كما أنه لا يجوز اعتباره تحصيلاً حاصلاً أن أبناء الأقليات في مناطق تكاد تنعدم فيها الفرص مقارنة بضواحي تنعم بالرخاء، رافضون متململون يضيقون ذرعاً بالقوانين، لكنها قطعاً مسؤولية السياسيين، خصوصاً ممثلي الشعب المنتخبين، في التحقق من حسن تطبيق القانون وتعميم العدالة بشكل متساو.
أولئك المسؤولون (من مختلف الأعراق والاتجاهات) المنشغلون بكيدياتهم السياسية وحساباتهم الحزبية، طالما أن الغالبية من أبناء «الأقليات» لا يحسبون ناخبين يعتد بهم لمصلحة هذا الحزب أو ذاك. وإذا كانت الانتخابات التي حملت أوباما إلى البيت الأبيض عام 2008، سجلت أعلى نسبة إقبال منذ الستينات قاربت الـ66 في المئة، فإنه يمكن بالتالي تصور مدى تدني نسب مشاركة الناخبين خصوصاً من أبناء الأقليات في استحقاقات أخرى، على مستوى الولايات والمناطق.
(المصدر: الحياة 2015-06-02)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews