مشكلة الاستخبارات الأميركية الكبرى
يعد السقوط غير المتوقع لمدينة الرمادي على أيدي تنظيم داعش خلال الشهر الحالي آخر مؤشر على وجود خلل أساسي في الاستخبارات، فالولايات المتحدة لا تعرف عن خصومها المتشدين ما يكفي لقتالهم بنجاح. أصيب كل من الجيش، ووكالة الاستخبارات المركزية، وغيرها من الأجهزة، بهذا الخلل الاستخباراتي. وتتكون هذه المشكلة على مدى عقود، ولن تحل بسهولة. وتتضمن الحلول، التي من بينها تجنيد المزيد من الجواسيس، وتطوير قوات العمليات الخاصة، مخاطر أكبر.
وجاء مثال حي على الفجوة في المعلومات خلال مقابلة مع الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، ظهرت خلال الأسبوع الحالي في «فرانتلاين» على موقع «بي بي إس». وسأله المراسل الصحافي مارتن سميث عما إذا كان لدى الولايات المتحدة خطط في حال خسارة الموصل في يونيو (حزيران) الماضي. وأجاب ديمبسي: «لا، لم يكن. حدثت عدة مفاجآت تتعلق بتنظيم داعش، وبمدى قدرته على إقامة تحالف داخل سوريا وفي شمال غربي العراق، وما أظهره من قدرة عسكرية، وانهيار قوات الأمن العراقية. نعم، كانت هناك بعض المفاجآت في تلك الأيام الأولى».
هل تمت الاستفادة من الدروس؟ لا يبدو هذا. فبعد مرور نحو عام، فوجئت الولايات المتحدة مرة أخرى بسقوط مدينة الرمادي. ما الخطب إذن؟
الإجابة الأولى هي أنه يجب على الاستخبارات المركزية الأميركية التعاون مع شركاء من أجل بناء شبكات تجسس داخل تنظيم داعش. ولا يعد تجنيد متشددين «مهمة مستحيلة»، فتنظيم داعش سامّ، ويصنع أعداء أينما يذهب. مع ذلك، من أجل تحقيق ذلك على الوكالة تغيير ممارساتها، والمخاطرة بشكل أكبر في العمليات، والحد من تركيزها غير المتوازن على الهجمات الجوية التي تتم بطائرات من دون طيار، وغيرها من الوسائل السرية.
وبدأت المشكلة الاستخباراتية في التكون حتى قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، بحسب مايكل موريل، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. ويشير في كتابه الجديد، الذي يحمل عنوان «الحرب الكبرى في عصرنا»، إلى الإخفاقات التي بدأت بمحطة أليك، وهي وحدة تم تكليفها بملاحقة أسامة بن لادن في نهاية التسعينات، واستمر عملها خلال الحرب العراقية، والربيع العربي.
بحسب رواية موريل، لم يكن لدى الاستخبارات المركزية الأميركية ما يكفي من المعلومات. ويذكر موريل في كتابه: «من العواقب التي تسببت فيها طريقة إدارة محطة أليك خلال السنوات الأولى عدم اختراقنا لتنظيم القاعدة بجواسيس إلى الحد اللازم».
وذكر في معرض تقييمه للمعلومات الاستخباراتية المضللة إلى درجة كارثية، بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية: «أعتقد أن أحد أسباب فشل الاستخبارات المركزية على مستوى جمع المعلومات.. كان تركيزنا على العمل السري في العراق».
وفي النهاية، يصف موريل كيف مثل الربيع العربي مفاجأة بالنسبة للاستخبارات المركزية، حيث ذكر: «لقد فشلنا لأننا كنا نعتمد إلى حد كبير على حفنة من القادة الأقوياء في مساعدتنا في فهم ما يحدث في الشارع العربي. لقد تراخينا في تكوين مصادرنا الخاصة».
فلنكن صادقين مع أنفسنا بشأن معنى حل المشكلات التي ذكرها موريل. وعلى العاملين في الاستخبارات المركزية الخروج من مخابئهم المحصنة للعثور على العملاء الأساسيين وتجنيدهم، الذين يستطيعون بدورهم العثور على مصادر في صفوف الجهاديين، فالبقاء داخل القواعد والمكاتب ليس فقط غير فعال، بل أيضا خطير، كما بات واضحا بشكل مأساوي عام 2009، عندما دخل عميل أردني مزدوج أحد معاقل الاستخبارات المركزية في إقليم خوست بأفغانستان، وقتل 7 أميركيين.
وتشعر الوكالة بالقلق من إرسال مسؤولي شبكات التجسس ليجوبوا الشوارع في مناطق الحروب من دون حرس شخصي من فريق الاستجابة العالمي شبه العسكري. مع ذلك، يقول جون ماغواير، أحد العاملين القدامى في الوكالة، الذي نفذ الكثير من المهام الخطيرة، إن العاملين بالاستخبارات المركزية قد فهموا التعليمات التي تشير إلى أنه «لن يتم أسرهم» بشكل تقليدي.
وفي إطار برنامج تدريب خاص باسم «التصرف الدفاعي لمسؤولي شبكات التجسس»، تم تعليم المتدربين كيفية تفادي المراقبة، وكيفية الخروج من المأزق، في حال إخفاقهم في هذا الأمر. وتم إلغاء هذه الدورة التدريبية، كما أوضح ماغواير.
كذلك سيتعين على الجيش الأميركي وضع العاملين في الاستخبارات في موضع خطر، من أجل زيادة مقاومتهم في مواجهة تنظيم داعش. وسيتولى العراقيون والسوريون القتال، لكن سيكون أداؤهم أفضل إذا تم دعمهم بقوات العمليات الخاصة الأميركية في مناطق القتال. لا يقتصر الأمر على قدرة الأميركيين على تصويب الليزر باتجاه الأهداف، بل هم محاربون يستطيعون توجيه رفقائهم أيضًا. وفي ظل وجود وكالة الاستخبارات المركزية، سيكون على قوات أميركية قليلة تتسم بالشجاعة الوجود في الشوارع أثناء القتال.
وظلت الاستخبارات المركزية والجيش الأميركي يحاولان لعقود حل المشكلات الاستخباراتية، من خلال الاعتماد على المراقبة التي تقوم بها وكالة الأمن القومي. مع ذلك، درس المتشددون التسريبات الخاصة بقدرات الولايات المتحدة، وتعلموا كيفية إخفاء عملياتهم.
ومن المفارقة، أن يحتاج جمع المعلومات الاستخباراتية في مواجهة الخصوم المتشددين في القرن الحادي والعشرين عمليات تجسس ومقاومة قديمة الطراز كان يقوم بها الجيل المؤسس لوكالة الاستخبارات المركزية في مكتب الخدمات الاستراتيجية.
(المصدر: واشنطن بوست 2015-06-01)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews