إسرائيل شرطي الغرب في المنطقة يبحث عن حصة في الكعكة السورية
زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتانياهو موسكو اليوم، تأتي ضمن المناورة السياسية التي تجريها اسرائيل تجاه الولايات المتحدة والغرب ودول الشرق الاوسط، حتى تضمن لنفسها دوراً في التطورات التي تشهدها الساحة السورية وتكون شريكاً فعالاً في مستقبل هذا البلد العربي.
الاتفاق على هذه الزيارة جاء عشية وصول نتانياهو الى الصين وبعد يومين من الضربة العسكرية الاسرائيلية على سورية، للقضاء على اسلحة ايرانية «كاسرة للتوازن»، وفق ما وصفتها اسرائيل، كانت في طريقها الى «حزب الله» اللبناني. نتانياهو الذي اتخذ القرار بتوجيه الضربة، بالاشتراك مع قادة الجيش والمخابرات وأعضاء المجلس الوزاري الامني المصغر، وضع ضمن حساباته امكانية الرد عليها. لكنه في الوقت نفسه كان مطمئناً. فهو والقيادة الاسرائيلية، العسكرية والسياسية، على قناعة بأن الرئيس السوري، بشار الاسد، لن يرد لأن وضعه الداخلي لا يتيح له فتح جبهة حرب جديدة. كما ان نتانياهو وضع امام وزراء مجلسه الامني المصغر كيفية ضمان الهدوء من طرف الاسد، بعد هذه الضربة، عبر توجيه رسالة طمأنة له تؤكد فيها اسرائيل ان نظامه ليس الهدف من هذه الضربة انما «حزب الله» وايران.
وكما يقول الرئيس السابق للموساد، داني ياتوم، فعلى رغم التصريحات والتهديدات، «ليست للاسد مصلحة في الرد الآن لأنه يريد قبل كل شيء أن يبقى وينتصر على المتمردين وهو يفهم جيداً بأن فتح جبهة جديدة مع اسرائيل سيكون خطأ جسيماً يسهل الامور على معارضيه. فلا «حزب الله» ولا الاسد ردا بشكل علني، ولكنهما قد يعملان بشكل سري ضد أهداف اسرائيلية ويهودية في العالم، توقع ضرراً جسيماً، مثل عملية بوينس آيرس. إّلا ان عمليات كهذه تمنحهما الاحساس بتصفية الحساب مع اسرائيل وإنْ كانا يمتنعان عن اعلان مسؤوليتهما عنها «، كما يقول ياتوم.
وبالنسبة لاسرائيل اثارت ضربتها أجواء رعب وخوف لدى الاسرائيليين وحولت المنطقة الحدودية مع سورية ولبنان الى منطقة تأهب، واتخذت احتياطات عدة وصلت الى حد إغلاق المجال الجوي للطيران فوق حيفا ومنطقة الشمال. كل هذه اجراءات تؤكد ان اسرائيل الرسمية، التي وجهت هذه الضربة من دون الاعتراف الرسمي بها، جاهزة لكل سيناريو محتمل... ولكن الاهم في هذه الضربة، ليست الصواريخ التي منعت من الوصول الى «حزب الله»، انما ابقاء اسرائيل عنصراً فاعلاً في التطورات على الساحة السورية الى جانب الرسائل التي وجهتها، الى «حزب الله» وايران. فهي خرجت بقناعة انها حققت، ولو جزءاً من الردع تجاه الطرفين، على الأقل.
السلاح الكاسر للوضع الراهن
السؤال الذي يطرح في اسرائيل هو هل هذه الضربات ضد سورية تستهدف فقط منع نقل الاسلحة من سورية الى «حزب الله» ام انها وسيلة تستخدمها القيادة الاسرائيلية لضمان تحقيق اهداف أخرى لها في المنطقة؟
الرد الأولي على هذا السؤال جاء بعد الرسالة التي بعث بها نتانياهو الى الاسد والزيارة التي سيقوم بها الى موسكو، فالقراران يؤكدان ان الخوف من تزود «حزب الله» بهذه الاسلحة، ليس عنصراً مركزياً، انما هناك اهداف اكثر اهمية لاسرائيل، بينها ضمان دور لها في كل حل مستقبلي لسورية.
في الضربة الأخيرة، ادعت اسرائيل عبر مصادر مسؤولة، انها استهدفت صواريخ ايرانية من طراز «الفاتح 110»، وصلت الى سورية وكانت في طريقها الى «حزب الله» قبل وقت قصير من الغارة الاسرائيلية. وتعتبر هذه الصواريخ الايرانية سلاحاً كاسراً للتعادل، أو كما يمكن ان نسميه، وفق الاهداف الاسرائيلية من هذه العملية، «السلاح الكاسر للوضع الراهن». فصواريخ «فاتح 110»، وكما يقول اسحق بن يسرائيل، الرئيس السابق لمديرية البحث والتطوير للوسائل القتالية والبنى التحتية التكنولوجية في وزارة الدفاع الاسرائيلية، وصلت الى سورية من ايران عام 2008، وبعد سنتين من ذلك نقلت الى «حزب الله». وتلقت سورية صواريخ «ياخونت» الروسية قبل نحو سنة ونصف السنة. وفي شباط (فبراير) 2011 أعلن وزير الدفاع الروسي، أناتولي سردينوف، بأن روسيا لم تتخل عن خطتها توريد صواريخ «ياخونت» لسورية وبعد نحو عشرة اشهر من ذلك نفذت سورية مناورات بالصواريخ الروسية.
إذاً لماذا تعتبر اسرائيل اليوم «فاتح 110» كاسراً للتعادل العسكري؟
يجيب بن يسرائيل: «في الماضي نقلت سورية الى «حزب الله» سلاحاً من نوع آخر. لم يزعج اسرائيل أن تكون سورية تملك هذا السلاح، وسورية هي الاخرى تسكت عندما نملك، نحن الاسرائيليين، سلاحاً أكثر تطوراً. فالدول من حقها أن تمتلك السلاح، ولكن نحن فقط غير مستعدين لان ينتقل هذا الى حزب الله». وبحسب بن يسرائيل فإن استخدام اسرائيل تعبير «السلاح الكاسر للتعادل» يعني ان لاسرائيل و «حزب الله» منظومة قتالية متشابهة،
وهذا غير صحيح، يؤكد ويضيف: «واضح أن لدى اسرائيل اسلحة تتفوق بها على «حزب الله»، فيما هناك أربعة أنواع من الاسلحة الكاسرة: سلاح كيماوي، صواريخ أرض – جو، صواريخ أرض – أرض بعيدة المدى دقيقة وصواريخ بحر – بحر من طراز «ياخونت»، التي سبق واستخدمها «حزب الله» في حرب تموز وأصابت بارجة «حانيت» الحربية».
الرئيس السابق لمجلس الامن القومي الاسرائيلي، غيورا ايلاند، اختلف مع كثيرين ممن حذروا من الضربة التي وجهتها اسرائيل لسورية، واعتبر الضربة الاخيرة موزونة بشكل كبير وقرارها خطوة غير مسبوقة للقيادة الاسرائيلية. وبرأيه فإنها حققت هدفها من دون ان تحدث أي تصعيد. ويتفاخر بهذا القرار قائلاً: «لم تكن السياسة الاسرائيلية دائماً موزونة بهذا القدر. بالعكس، كنا نميل سنوات طويلة الى تحديد مصالحنا بمعنى أوسع من الحاجة أو من القدرة على احرازها، وكانت النتائج وفق ذلك».
ويجد ايلاند في حربي لبنان الاولى والثانية والعمليات العسكرية في غزة افضل الامثلة على ذلك ويقول: «كانت المصلحة الاسرائيلية المفهومة ضمناً في حرب لبنان الاولى هي تغيير النظام في لبنان. والنتيجة معلومة. فقد اضطر الجيش الاسرائيلي الى احتلال عاصمة دولة عربية ودفعنا ثمن ذلك وأوجدنا القاعدة لمضاعفة قوة سورية في لبنان وإنشاء «حزب الله». وفي حرب لبنان الثانية حددنا أهدافاً كان عدد منها على الأقل لا يمكن إحرازه. وفي غزة اخطأنا. فعندما تولت «حماس» السلطة حددنا الهدف بإسقاطها. وبذلت اسرائيل جهوداً كبيرة ودفعت تكاليف عسكرية وسياسية لا حاجة لها، في محاولة لإحراز شيء ما، لا يخدم أية مصلحة اسرائيلية حقيقية. وقد نفذت العملية الأخيرة «عمود السحاب» في ضوء هدف ضيق وصحيح وقابل للاحراز وهو احراز ردع».
ويستنتج ايلاند من ذلك ان تحديد المصلحة، كمرحلة تسبق كل قرار، امر مهم ومنطقي وفي الضربة الاخيرة على سورية احرزت اسرائيل هدفها بمنع المس باسرائيل من داخل ســـورية وإحباط عمليات نقل اسلحة من سورية او من ايران عبر سورية الى «حزب الله» في لبنان. ويقول: «يجب ان نفهم ان هذه الخطوط الحمر تخدم فقط مصلحة قومية حقيقية وتكون صادقة في يوم اصدار الأمر العسكري».
والخطوط الحمر التي يتحدث عنها ايلاند هي ما تسميه اسرائيل «السلاح كاسر التعادل». ولكن الى حين عقد المؤتمر الذي اتفقت عليه الولايات المتحدة وروسيا لبحث الملف السوري يواصل الاسرائيليون نقاشهم حول هدف الضربة الاخيرة على سورية والاسلحة التي تنقل الى «حزب الله» ليحتدم النقاش لدى طرح السؤال ماذا كان سيحدث لو بقيت هذه الصواريخ في سورية. وماذا لو اندلعت مواجهات مع سورية، واستخدمت هذه الاسلحة، بينها «صواريخ سكود»، التي ستغطي معظم البلدات الاسرائيلية من الشمال وحتى تل ابيب والمركز.
وماذا لو وقعت هذه الاسلحة بأيدي التنظيمات الاسلامية المتطرفة والمعادية لاسرائيل داخل سورية، كـ «جبهة النصرة» و «القاعدة» وغيرهما.
والسؤال الأكبر هو كيف ستتعامل اسرائيل مع تقاريرها الاستخبارية عن الترسانة الصاروخية لـ «حزب الله»، التي تحدثت عن وجود اكثر من خمسين الف صاروخ، في حال وقعت المواجهة. فمن دون ان تصل الصواريخ «الكاسرة للتوازن» كانت اسرائيل قد اعلنت ان لدى «حزب الله» ترسانة صاروخية متطورة تغطي كل بلدة في اسرائيل... فهل القصف في سورية خفف من هذا التهديد؟
الرد طبعاً لا والسبب ان في قصف اسرائيل لسورية رسالة اكبر بكثير من مجرد منعها من «تجاوز الخطوط الحمر التي وضعتها». وهناك رسائل في اتجاهات عدة: أولها موجهة الى ايران بأنها قادرة على الوصول اليها متى وكيفما تشاء. وأنها تمتلك قنابل ذكية قادرة على اختراق الخنادق في مطار دمشق، الشبيهة بالخنادق التي تحتفظ فيها ايران بأسلحة ومفاعل نووية. وثانيها: رسالة موجهة إلى الغرب وإلى العالم كله، مفادها أن اسرائيل تستطيع أن تفعل ما يريده الغرب ولا يستطيع فعله، وهو أن تكون الشرطي الغربي في المنطقة. وبالتالي، إنها تريد أن تقبض ثمن هذا كله، بحصة من الكعكة السورية.
( المصدر : الحياة اللندنية )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews