واشنطن: استمرار هشاشة النمو رغم الحوافز يربك مجلس الاحتياط الفيديرالي
جي بي سي نيوز - لم يسبق للسلطات الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة أن وقعت بهذا النوع من الحيرة، إذ استخدم مجلس الاحتياط الفيديرالي كل ما في ترسانته على مدى السنوات الست الماضية لتنشيط النمو وخفض معدل البطالة الذي تراجع فعلاً، فيما لا يزال النمو هشاً ومتأرجحاً.
وتضمنت حوافز التنشيط طباعة النقد في ما عرف ببرنامج «التيسير الكمي»، وأبقى المصرف المركزي الفائدة عند أدنى مستوياتها لتشجيع المستثمرين على إبقاء أموالهم في الأسواق. فدفع «المال الرخيص» المستثمرين إلى الاستدانة والمضاربة في أسواق الأسهم المالية، التي ارتفعت في شكل لم تشهد مثله.
على رغم ذلك، ينمو الاقتصاد الأميركي في شكل ضعيف، إلى حد أن كل شتاء قارس يكاد ينجح في وقف النمو كلياً ما يدفع الخبراء والمسؤولين في البنك المركزي إلى اعتبار البرد سبباً للتباطؤ، على أن يُستأنف النمو بحلول الربيع، أي مع بدء الربع الثاني من العام المالي في نيسان (إبريل). لكن حتى هذا الشهر عكس مكامن ضعف أساسية في الاقتصاد الأميركي، خصوصاً لناحية إحجام المستهلكين عن الإنفاق المتوقع، على رغم تقديرات أشارت إلى أن انخفاض سعر النفط العالمي «زاد 750 دولاراً إضافياً» إلى جيب كل عائلة أميركية.
وبسبب الاهتزاز الذي لا يزال يشوب الاقتصاد الأميركي، يتلكأ مجلس الاحتياط في رفع الفائدة خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى كبح نمو ضعيف أصلاً، ويترافق مع تضخم لا يصل إلى نسبة 2 في المئة التي يطمح إليها الاحتياط.
وهكذا، أظهر محضر نقاش «المركزي» في اجتماعاته الأخيرة تردداً وارتباكاً، إذ أحجم المصرف المركزي عن تأكيد نيته رفع الفائدة مع حلول الشهر المقبل.
ولم يقدم في الوقت ذاته موعداً محدداً لذلك بسبب الاقتصاد المهتز والنمو البطيء، بل اكتفى بالقول إنه يتعامل مع الموضوع يومياً، مع توقعات برفع الفائدة مع حلول تموز (يوليو) المقبل.
وأشار الخبراء الأميركيون إلى أن الاحتياط الفيديرالي يستعجل رفع الفائدة، لأن التجربة الاقتصادية تشي بمواجهة الاقتصاد ركوداً من نوع أو آخر كل ست سنوات في عملية دورية، ما يعني أن ركوداً كان يجب حصوله العام الماضي بعد ست سنوات على اندلاع «الركود الكبير» في أيلول (سبتمبر) عام 2008.
لكن الاقتصاد الأميركي نما بنسبة 2.4 في المئة العام الماضي. ومع بدء العام الحالي، لم تظهر الأرقام على رغم مراوحة النمو تقلصاً قريباً من الصفر في الربع الأول من العام الحالي. وتنص القوانين الاقتصادية على أن يظهر الاقتصاد تقلصاً على مدى رُبعين متتاليين حتى يُعتبر رسمياً في حالة ركود. لكن ذلك لم يحصل منذ عودة الاقتصاد الأميركي إلى النمو عام 2009.
فهل مرت اميركا في ركود لم يلاحظه الاقتصاديون؟ أم أنها تعيشه اليوم من دون معرفتها بذلك؟
يعتقد بعض الاقتصاديين أن سياسة «التيسير الكمي» كانت تجربة قام بها المصرف المركزي للمرة الأولى في تاريخه، ولا تزال تظهر نتائجها تباعاً. ولم يحدث أن شهدت اقتصادات العالم فورة في السيولة في أوقات الركود، ما يعني أن «التيسير الكمي» ربما يكون أدى إلى تخريب الدورة الاقتصادية الأميركية كما نعرفها.
لذا، يسعى الاحتياط الفيديرالي إلى رفع الفائدة خوفاً من أن يباغت الاقتصاد الأميركي ركود يتطلب التحرك لمكافحته. ويخشى القـــائمون على المصرف المركزي اصطدام الاقتصاد الأميركي بركود مفاجئ فيما الفائدة قريبة من الصفر، ما يعني أن المصرف لن تكون لديه «الأدوات» المطلوبة لمكافحته.
وأظــــهرت محــــاضر اجتماعات «الاحتــياط»، وعــلى عكس المرات الماضية، عدم نيته رفع الفائدة مباشرة بل ابتكر طريقة مستحدثة يسعى إلى وضعها قيد التجربة وتقضي بتقديم سيولة للمصارف الأميركية لتعويض بعض أرباحها، في مقابل إحجامها عن الإقراض أو تشددها في عملية تقديمها القروض للمستخدمين.
ويعزو المسؤولون الأميركيون سبب هذه الخطة إلى خوفهم من أن يؤدي رفع الفائدة عموماً إلى «تجفيف السيولة» من السوق. ويعتقدون أن إبقاء الفائدة متدنية والطلب من المصارف تقليص الإقراض، سيدفعان المستهلكين إلى الإنفاق بدلاً من السعي إلى التوفير مع ارتفاع الفائدة. وفي الوقت ذاته، لا يسمح النظام الجديد للمستثمرين بإيداع أموالهم سعياً إلى كسب من طريق الفائدة.
لكن بعض الخبراء رأى أن الفائدة المنخفضة حالياً، ربما تكون السبب في إحجام المستهلكين عن الإنفاق، لأن كل مستهلك يسعى إلى الادخار. وبما أن الفائدة منخفضة يجد المستهلك نفسه مجبراً على مزيد من الإيداع لتعويض غياب الفائدة. لذا، يقول هؤلاء الخبراء «يمكن أن يفضي رفع الفائدة إلى مراكمة إيداعات لدى المستهلكين، ما يضع مزيداً من الأموال في متناولهم للاستهلاك ويحفّز النمو.
إذاً تتضارب الآراء الأميركية تقريباً حول كل جانب من السياسة المالية والاقتصادية، وتتراوح بين مَن يدعو إلى رفع فوري للفائدة لتنشيط الاستهلاك، وآخر يدعو إلى خفضها لتعزيز الاستهلاك، في وقت تظهر محاضر اجتماعات مجلس الاحتياط الفيديرالي انقساماً مشابهاً لذلك السائد بين الخبراء والمعنيين، ما يؤدي إلى ارتباك وتردد ومراوحة، وهو ارتباك كفيل وحده بالمساهمة بمزيد من تعطيل النمو الأميركي وإعاقته.
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews