حرق الغاز .. حان الوقت ليتوقف الآن

تحرق صناعة البترول العالمية كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، تقريباً ما يعادل ثلث استهلاك الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه تهدر مليارات الدولارات من العائدات وتسهم في انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي. وتحدث عملية حرق الغاز الطبيعي في معظم الأحيان في المناطق النائية التي تنعدم فيها البنية التحتية اللازمة لنقل الغاز أو وجود أسواق غاز محلية. تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ثاني أعلى منطقة في العالم من حيث معدلات حرق الغاز المصاحب بعد روسيا.

هذه الممارسة لا معنى لها في وقت تواجه فيه الصناعة مجموعة من التحديات الجسيمة من جراء هبوط الأسعار، انخفاض الإيرادات والضغوط من دعاة تغير المناخ. واحدة من أفضل الطرق التي تمكن صناعة النفط من مواجهة التحديات القاسية لانخفاض الأسعار وفي الوقت نفسه تأخذ بزمام المبادرة حول قضايا تغير المناخ، هي اتخاذ مواقف أكثر حزماً لخفض الهدر والأضرار الناجمة عن حرق الغاز.

لكن مع الأسف إنهاء عمليات حرق الغاز ليس بالأمر الهين. حيث إن استغلال الغاز المصاحب يتطلب استثمارات ضخمة في خطوط الأنابيب، محطات توليد الطاقة، المصافي وغيرها من البني التحتية، وكذلك يحتاج إلى إيجاد أسواق له، لذلك غالبا ما تلجأ الصناعة إلى بيع النفط وحرق الغاز المصاحب. الحكومات مسؤولة أيضا عن تنظيم هذه العملية وفرض غرامات على حرق الغاز، لكنها غالباً ما تتراخى هي الأخرى. إذا لم يتم فرض غرامات حقيقية من قبل الدولة على عمليات الحرق، فإن الطبيعة التنافسية للصناعة، تشجع الشركات على الحرق من أجل تحقيق أقصى قدر من العائدات على حساب إمدادات الطاقة المستقبلية. هذا الوضع يجب ألا يستمر في المستقبل.

وفقا للبنك الدولي، كميات الغاز التي تحرق عالميا كافية لتلبية كامل الطلب على الطاقة الكهربائية في إفريقيا. والبنك الدولي في طليعة المؤسسات التي تسعى جاهدة لدفع عملية التغيير في هذا الجانب، لكن في أحسن الأحوال حقق درجات متفاوتة من النجاح. في الآونة الأخيرة وبالتعاون مع الأمم المتحدة كشف النقاب عن مبادرة جديدة "للقضاء التام على الحرق التلقائي للغاز بحلول عام 2030"، تضم المبادرة شركات النفط، الحكومات ومؤسسات التنمية. وقد صادق على المبادرة فعليا تسعة بلدان، وعشر شركات نفطية وست مؤسسات إنمائية والباب مفتوح لجميع الشركات والدول للانضمام إليها، وتشكل الأطراف التي اعتمدت المبادرة معاً أكثر من 40 في المائة من الغاز الذي يتم حرقه على مستوى العالم. جدير بالذكر أن هذه المبادرة من الممكن أن تؤدي إلى خفض أكثر من 300 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً.

بينت بيانات الأقمار الصناعية، التي تعد بصورة مشتركة من قبل الشراكة العالمية لتخفيض حرق الغاز التابعة للبنك الدولي والإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي، أن مجموع الغاز الطبيعي الذي تم حرقه في العالم في عام 2012 بلغ نحو 140 مليار متر مكعب (13.5 مليار قدم مكعبة يوميا). على الرغم من أن هذا الرقم كان أقل بنحو 20 في المائة عن مستوى حرق الغاز في عام 2005، إلا أنه كان مماثلا إلى حد كبير للمستويات التي كان عليها قبل 20 عاماً. لم تنشر بعد بيانات عام 2013 و2014.

تشير بعض المصادر إلى أن عملية تجميع بيانات حرق الغاز ليست بالدقة الكافية. على سبيل المثال، بينت إحدى الدراسات التي قام بها البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير وشملت كلا من روسيا، كازاخستان، أذربيجان وتركمانستان، أن هناك تناقضات بين تقديرات الحرق المستمدة من بيانات الأقمار الصناعية وتلك التي تقدمها الحكومات المنتجة، التي غالباً ما تكون أقل لأن الشركات تحاول تقليل تقديراتها لتتجنب التعرض للغرامة.

هذه المشكلة تبدو أكثر حدة في الدول التي تحرق أكثر مثل روسيا، حيث يمكن ملاحظة اختلافات كبيرة حتى في البيانات الحكومية الرسمية. على سبيل المثال، قدرت الشراكة العالمية لتخفيض حرق الغاز كميات الغاز التي أحرقت في روسيا بنحو 37.4 مليار متر مكعب في عام 2011 و35 مليار متر مكعب في عام 2012، في حين تشير الأرقام الرسمية إلى 16.7 و17.1 مليار متر مكعب على التوالي. في نيجيريا التي تأتي في المركز الثاني بعد روسيا، قدرت الشراكة كميات حرق الغاز بنحو 15 مليار متر مكعب في عام 2012 مقابل 13.2 مليار متر مكعب في البيانات الرسمية.

هناك تناقضات مماثلة واضحة في الولايات المتحدة، حيث قدرت بيانات الأقمار الصناعية كميات حرق الغاز فيها بنحو 7.1 مليار متر مكعب في عام 2011، هذا المستوى وضعها في المركز الخامس على مستوى العالم، في حين أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تقدر كميات حرق الغاز بنحو 5.9 مليار متر مكعب.

ولكن بغض النظر عن الشكوك حول كيفية قياس حرق الغاز، يبدو الآن هو الوقت المثالي للبدء في اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ووضوحا للحد من ذلك. إن الشراكة الحقيقية بين الصناعة والحكومات أمر ضروري لإنجاح هذا التوجه. على أقل تقدير، حرق الغاز يبدو موضوعاً مهماً يمكن طرحه بطريقة قوية قبل محادثات المناخ القادمة في باريس. حيث يمثل خفض حرق الغاز وزيادة استخدام الغاز الطبيعي الذي يعد أنظف وقود أحفوري، إسهاما فاعلا في المساعي الدولية الرامية للحد من آثار تغير المناخ وكفاءة الطاقة.

(المصدر: الإقتصادية 2015-05-20)