التعافي الاقتصادي العالمي يواجه مخاطر التباطؤ
يعاني الاقتصاد العالمي في الآونة الأخيرة من مخاطر التباطؤ الاقتصادي، ولقد زادت معدلات هذا التباطؤ نتيجة لضعف النمو بدول الأسواق الناشئة بالإضافة إلى التحسن الهش بدول العالم المتقدم وفي المقدمة منها الدول الأوروبية.. وهو الأمر الذي أكدته تقارير وبيانات صندوق النقد الدولي وتصريحات السيدة "كريستين لاجارد" هذا الأسبوع بأن الأداء الحالي للاقتصاد العالمي ليس جيداً بالدرجة المأمولة، مما أضعف من آمال الكثير من الخبراء والمسؤولين الذين توقعوا معدلات أفضل من النمو، وذلك في ظل ضعف إجمالي الناتج المحلي بالعديد من دول العالم وعدم تعافي اقتصادات الكثير من هذه الدول نتيجة للآثار السلبية المترتبة على الأزمة المالية العالمية الراهنة وضعف المؤشرات والمعدلات الاقتصادية بالدول الناشئة والأسرع نمواً والتي تشكل حالياً أكثر من 50% من الاقتصاد العالمي.
وأظهر أحدث المؤشرات التي تتبع وتقيس درجة ومستوى التعافي الاقتصادي العالمي "مؤشر تايجر" مدى الاختلاف في أداء مؤشرات النشاط الاقتصادي الحقيقي ومؤشرات الأسواق المالية وثقة المستثمرين مقارنة بمتوسط أدائها التاريخي السابق، سواء كان ذلك على مستوى الاقتصاد العالمي ككل أو على مستوى الدول المختلفة كلً على حدة.
ولم يستثن من هذا الوضع على مستوى العالم سوى ثلاثة اقتصادات كبرى وعدد آخر قليل جداً من الدول التي مازالت تتمتع بزخم مستدام للنمو، وهذه الاقتصادات الثلاثة الكبرى هي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والهند، والتي تُظهر مؤشرات ومعدلات النمو قصيرة الأجل بها دلالات إيجابية متفائلة.... فيما يظهر "مؤشر تايجر" تحسناً طفيفاً بأداء النمو بالدول المتقدمة رغم انخفاض أسعار النفط بحوالي 50% في النصف الثاني من العام الماضي وحتى الآن، في دلالة واضحة على زيادة الإنفاق الأسرى في أوروبا واليابان، وإن كانت هذه الاقتصادات مازالت في حاجة لبعض الوقت قبل إظهارها لمعدلات النمو الإيجابية التي تتمتع بها وغيرها من الدول في فترات الرواج الاقتصادي التقليدي.
فيما يرى بعض الخبراء والمتخصصين أن قوة الدولار الأمريكي مؤخراً في مواجهة العديد من العملات العالمية وفي مقدمتها اليورو قد أثر وسوف يؤثر عليها وعلى اقتصادها بالسالب، ودليلهم على ذلك هو ضعف غالبية مؤشرات هذا الاقتصاد في الربع الأول من هذا العام وبصفة خاصة ما يتعلق بعدم قدرته على خلق الوظائف الكافية والتي يمثل معدل النمو بها في هذا الربع المعدل الأكثر تباطؤاً للنمو خلال السنتين الأخيرتين.
وفي ذات الوقت فإن الكثير من الخبراء والمتخصصين يبدون قلقهم من تباطؤ الآفاق الاقتصادية في الصين والتي يتميز اقتصادها بكونه صاحب أكبر قوة شرائية على مستوى العالم، مما دفع الحكومة الصينية إلى محاولة إعادة تحويل النشاط الاقتصادي للبلاد من الاستثمار العام إلى زيادة معدلات الاستهلاك المحلي ومن ثم زيادة الطلب على منتجاتها وإحداث حالة من الرواج النسبي في ظل تخوف الكثيرين من التأثير السلبي لاحتمالية رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الشهور المقبلة على العديد من الاقتصادات الناشئة "ومن بينها الصين"، بما يهدد بهروب رؤوس الأموال من هذه الدول إلى الدول الغنية الأكثر استقراراً.
ولم يختلف الأمر كثيراً في دول الاقتصادات الناشئة الأخرى باستثناء الهند حيث نجد أن توقعات النمو بكل من الاقتصادين البرازيلي والروسي هي توقعات غير متفائلة، وذلك بسبب اعتمادها على تصدير النفط والغاز اللذين انخفض سعرهما بدرجة كبيرة ومن ثم انخفضت إيراداتهما من العملات الأجنبية، بالإضافة إلى انخفاض أسعار ما ينتجانه ويصدرانه من سلع ومنتجات بالأسواق العالمية، مما أظهر العديد من نقاط الضعف الهيكلي باقتصاد كل منهما.
ولعل الاستثناء الوحيد بدول الاقتصادات الناشئة والتي مازالت تمثل نقطة مضيئة متميزة هي الهند التي واصلت نموها وتقدمها واستفادت كثيراً من انخفاض أسعار النفط العالمي، وانخفضت بالتالي فاتورة استيرادها من الطاقة ومن ثم تقلص عجزها التجاري وانخفضت معدلات اقتراضها، وإن كان البعض يرى أن مسيرة الإصلاحات بها مازالت بطيئة ومحدودة.
وهو الأمر الذي يستوجب من الجميع ضرورة إحداث إصلاحات جذرية والعمل على خلق وزيادة معدلات الطلب المحلى بالعديد من دول العالم، وذلك كبديل أساسي لاعتمادها في الوقت الراهن على السياسات النقدية المخففة وأسعار الصرف الضعيفة لمواجهة الضغوط الانكماشية وتعزيز النمو الاقتصادي.. وما لم تتخذ سلطات هذه الدول قرارات حاسمة سريعة بالبدء فوراً بهذه الإصلاحات فإن مخاطر التباطؤ الاقتصادي سوف تتزايد ويصبح التعافي الاقتصادي القوي المستدام عالمياً أمراً بعيد المنال.
(المصدر: الشرق القطرية 2015-04-29)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews