البنك الآسيوي للاستثمار
انتهت يوم الثلاثاء الماضي المهلة التي عرضتها الصين على بلدان العالم للانضمام كأعضاء مؤسسين لبنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية الذي ترعاه.
ومثلما لاحظنا فإن تأسيس هذا البنك قد حضي باهتمام غير عادي من كافة بلدان العالم بما فيهم المملكة التي أعلنت رغبتها بأن تكون ضمن الدول المؤسسة له.
ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا كل هذه الضجة التي صاحبت تأسيس بنك متواضع الحجم يبلغ رأسماله المصرح به 100 مليار دولار، ورأسماله الأولي 50 مليار؟ أو بمعنى أخر - إذا استخدمنا مربع سْوات للتخطيط الاستراتيجي SWOT - ما هي التهديدات أو المحاذير التي دفعت بالولايات المتحدة إلى أن ترمي بكل ثقلها للحيلولة دون تأسيس هذا البنك وكذلك ما هي الفرص التي كانت تبحث عنها أقرب الدول الحليفة لواشنطن مثل بريطانيا التي تمردت على توصيات الولايات المتحدة وأعلنت انضمامها إلى بنك ترعاه الصين؟
أعتقد أنه للإجابة على هذه الأسئلة لا بد من الإشارة إلى الفائدة التي تجنيها الشركات الأمريكية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فالمشاريع التي تنفذها البلدان المقترضة منهما، بحكم المكانة المتميزة للولايات المتحدة في هاتين المؤسستين الماليتين، غالباً ما ترسي على شركات ذلك البلد. ولهذا فإن مقاومة الولايات المتحدة لبنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية وانضمام أقرب حلفائها له يعكس أمرين على الأقل: فمن ناحية هناك خشية أمريكية أن ترسي مشاريع البنية التحتية في القارة الآسيوية والتي تقدر بثمانية تريليونات دولار على الشركات الصينية بدلاً من شركاتها، وبالعكس فإن البدان التي أعلنت انضمامها إلى بنك الاستثمار، ومن ضمنهم المملكة، فإنهم إنما فعلوا ذلك ليس حباً في الصين وتفضيلها على الولايات المتحدة بل من أجل تقاسم الغنيمة مع التنين الأصفر أو بالأصح الحصول على حصة لشركاتها في كعكة الثمانية تريليونات دولار التي تتطلبها البنية التحتية الآسيوية. فحتى كوريا الجنوبية التي تحتاج إلى الدعم العسكري الأمريكي لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية لا يمكنها ألا تأخذ بعين الاعتبار أن 25% من إجمالي صادراتها تذهب إلى الصين في حين لا تزيد واردات أمريكا منها عن 12%. والشيء نفسه ينطبق علينا. فصادراتنا إلى الصين بلغت في العام الماضي 189 مليار ريال ووارداتنا منها 78.4 مليار ريال.
الأمر الأخر هو وضع الدولار في المنظومة المالية العالمية. فالصفقات التجارية التي تجريها بلدان العالم يتم معظمها بالدولار. وهذا يعطي اقتصاد البلد الطابع للورقة الخضراء ميزة نادرة. ولذلك فإن الولايات المتحدة لا ترغب أن ترى عملة أخرى تنافس أو بالأصح تقلل بعض الشيء من شأن عملتها. وهي على هذا الأساس تخشى أن يساهم إنشاء بنك الاستثمار في الترويج لليوان الصيني على حساب الدولار.
وأنا هنا لا أشارك وجهات النظر التي ترى أن تأسيس بنك الاستثمار يعكس أفول الزعامة الأمريكية. فتأسيس هذا البنك بزعامة الصين يعتبر على الأرجح انعكاس لميزان القوى الاقتصادية التي سوف تأخذ على عاتقها تشكيل النظام الاقتصادي والمالي العالمي خلال الفترة القادمة. وهو نظام مثلما نرى ليس أحادي القطب وإنما متعدد الزعامة تقوده الولايات المتحدة والصين والهند وألمانيا وروسيا.
(المصدر: الرياض 2015-04-04)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews