نتنياهو بين الدولة واللادولة
نتنياهو لم يتناقض مع نفسه وفكره الصهيوني المتشدد الذي يؤمن به، والذي يقوم أساساً على رفض فكرة الدولة الفلسطينية، والإيمان بفكرة الوطن البديل في الأردن .
وليس معنى ذلك قيام دولة فلسطينية على حساب الأردن كدولة، ولكنه يقصد أن لهم دولة .
جاءت تصريحاته أثناء معركة الانتخابات الأخيرة معبرة ومجسدة لهذا الفكر، الذي صاحبه حالة من العداء والكراهية لكل ما هو عربي وفلسطيني . وكان واضحاً وصريحاً عندما قال لا للدولة الفلسطينية، فهو يؤمن بمقولات الفكر الصهيوني الذي يتحدث عن أرض "إسرائيل الكبرى"، و"الأرض الموعودة"، و"أرض الأجداد والآباء"، ولذلك ليس غريباً ما قاله والده عنه إن ابنه "أي نتنياهو" لا يؤمن بفكرة الدولة الفلسطينية، فالدولة الفلسطينية في فكره وفي الفكر الليكودي تلغي فكرة "إسرائيل الدولة"، بل تلغي فكرة دولة لكل اليهود .
وبمتابعة وقراءة فكره عبر التصريحات المختلفة، وقراءة خطبه في مؤتمرات هرتسليا، خصوصاً مؤتمر هرتسليا عام 2009 فقد كان نتنياهو واضحاً في رفض فكرة الدولة الفلسطينية .
وإذا كان هناك قصور فالمسؤولية تقع على الفلسطينيين . وهو عندما يصرح بقبوله بالدولة الفلسطينية فهو يعني أيضاً رفضاً لها، وهنا الشروط اللامتناهية التي يضعها على قيام هذه الدولة، فهو يشترط دولة منزوعة السلاح بالكامل، ما يعني سلب الدولة من أهم عناصرها وهو عنصر السيادة، والتحكم في كل المنافذ البرية والجوية لهذه الدولة، أي دولة بلا منافذ ومخارج، ويشترط أن هذه الدولة ليس من حقها أن تعقد اتفاقات مع أي دولة من الدول، إضافة إلى التحكم في مواردها الطبيعية والمالية وقدراتها الاقتصادية، ولا يكتفي بذلك بل يضيف شرطاً باعتراف "حماس" بهذه الدولة، واعتراف الفلسطينيين ب"إسرائيل" دولة للشعب اليهودي فقط، وهو ما يعني التخلص من كل سكان الداخل .
ولم يكتف نتنياهو بتساوق بين ما يؤمن به من فكر وبين الممارسة السياسية، فلقد سخر فترات حكمه الثلاث كلها في ترجمة هذا الفكر إلى واقع على الأرض من خلال التسريع في عمليات الاستيطان التي قد التهمت كل الأرض الفلسطينية التي يفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية، وبمحاولة فصل أي امتداد لها مع الأردن من خلال التمسك بمنطقة الأغوار، وإقامة المستوطنات عليها وبإقامة الحواجز والفواصل الاستيطانية بين المناطق السكانية الفلسطينية ما بين شمال وجنوب وشرق وغرب بكتل استيطانية يصعب إزالتها . وقد نجح في الواقع في قيام دولة استيطان على حساب الدولة الفلسطينية .
مقابل ذلك نجح الشعب الفلسطيني في تثبيت هويته القومية والوطنية، ونجح في انتزاع اعترافات دول كثيرة، وانتزاع اعترافات الأمم المتحدة بحقه في تقرير مصيره، وقيام دولته على حدود معترف بها، ونجح أيضاً في فرض بدايات عزلة ومقاطعة على "إسرائيل" . ولذلك هو يتعامل مع فكرة الدولة من هذا المنظور السكاني فقط، فالدولة لديه ليس لها سيادة، وليس لها جيش وسلاح يدافع عنها، كل هذه الوظائف تقوم بها "إسرائيل"، وهنا هو يحاول أن يفصل بين فكرة الشعب والذين يعتبرهم أو ينظر إليهم على أنهم مجرد كتل سكانية ليس لها حقوق سياسية، إنما مجرد حقوق معيشية مثل المأكل والمشرب والمسكن، وغير ذلك، وتقوم عليهم سلطة حكم ذاتي ترعى أمورهم وتنسق مع "إسرائيل" في المسائل السيادية والأمنية التي هي من سلطة "إسرائيل" المطلقة، وأقصى ما يمكن أن تقدمه سلطة أعلى من حكم ذاتي وأقل من دولة سيادية . هذه هي صورة الدولة التي يقبل بها .
نتنياهو يريد أن يدخل تاريخ الزعماء اليهود التاريخيين على حساب الدم الفلسطيني، وهو فعلاً قد دخله من خلال أنه الوحيد الذي سيحكم أربع فترات . لكن ما لم يدركه نتنياهو أنه قد فشل خلال حكمه في أن يحقق ل"إسرائيل" الأمن والبقاء، وأنه خلق حالة من الكراهية والتحريض غير المسبوقة، وأنه الوحيد الذي عمل على تشويه صورة "إسرائيل"، وليدرك أنه لا أمن وبقاء ل"إسرائيل" إلا بقيام دولة فلسطينية ديمقراطية مسالمة، وأن هذه الدولة هي حتمية تاريخية وسكانية قصر الوقت أو طال، ولو أراد نتنياهو أن يسجل له أنه حافظ على "إسرائيل" فيكون ذلك أن يطرق باب السلام مع الفلسطينيين، ليحل السلام محل الحرب، والتعايش محل الكراهية، والتكامل محل التنافر .
(المصدر: الخليج 2015-03-30)
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews