بحثاً عن هوية جديدة لمصر
لا يكاد الرئيس محمد مرسي ينزع فتيل أزمة مع طرف داخلي أشعلها قرار مفاجئ من مؤسسة الرئاسة، حتى يهدد حريق جديد بالاندلاع.
ولا يكاد الرئيس مرسي يحط في مطار القاهرة من رحلة خارجية حتى يعود اليه في جولة جديدة تحمل مواقف وتصريحات تتعارض مع ما سُمع منه في الرحلة السابقة.
واذ بدا ان الرئاسة المصرية لم تعد هي نفسها التي تمتعت بثقل تقليدي في قرارها الداخلي وحركتها الخارجية، فذلك يعود الى ان مطبخ القرار انتقل من القصر الرئاسي الى مقر جماعة «الإخوان المسلمين».
وبات هدف «الإخواني» مرسي بعد توليه الرئاسة القضاء على مؤسستها التقليدية وتحويلها الى ملحق بالجماعة، اي إنهاء مؤسسة الرئاسة التي هي خارج كل انتماء وفوق كل انتماء تابعة الى مؤسسة حزبية. وذلك في اطار عملية تلفيق سياسي لا سابق لها، عبر الخلط المقصود بين مؤسسة الرئاسة في مصر، كإحدى دعائم مؤسسات النظام السياسي، وبين الرئيس السابق حسني مبارك. اذ يعمد «الإخوان» الى استحضار شخص الرئيس السابق كلما أرادوا الاستيلاء على مزيد من مكونات الدولة. وكلما واجهوا مقاومة من مؤسسات النظام، مثل الجيش والقضاء، او مؤسسات المجتمع المدني، مثل الأحزاب والنقابات، يعمدون الى وضع هذه المواجهة في خانة «الفلول».
هدف الجماعة لم يعد خافياً على أحد. وهو إنشاء حكم «إخواني» لا عودة عنه، عبر مؤسسات الدولة. كما فعل الخميني في إيران، عبر إرساء نظام المرشد.
لم يتمكن «الإخوان»، وممثلهم في الرئاسة، من الامساك بكل مفاصل القرار في الدولة المصرية. ولم يتمكنوا بعد من القضاء على كل المؤسسات المصرية. ولا يزالون يواجهون مقاومة، على مستويات متعددة، من أجل ان تبقى الدولة ومؤسساتها خارج الهيمنة الحزبية «الإخوانية». واذ تبدو هذه المعركة غير محسومة، يلاحظ التردد والغموض على السلوك «الإخواني»، وكذلك لدى الرئيس. فكانت سلسلة التراجعات والاعتذارات والتوضيحات والاستقالات من الفريق الرئاسي.
ويبدو ان حصيلة «الحركية» لدى الرئيس على الصعيد الخارجي مشابهة لتلك التي تحصدها مصر على المستوى الداخلي. خصوصاً ان المواقف والتصريحات تتغير مع تغير العواصم التي يزورها الرئيس. ومن دون ان يلمس المصريون اي انعكاس على اوضاعهم جراء هذه «الحركية»، رغم ما يرافقها من إعلانات.
قد لا يكون متوقعاً ان تجري ترجمة مباشرة للوعود التي يعلنها مرسي، من عواصم العالم، بالنسبة الى المصريين. خصوصاً في القضايا التي تمس الشأن المعيشي. لكن ما يلفت النظر هو التعارض الكبير بين رحلة وجولة وبين ما يقال في اجتماع وما يعلن بعد آخر.
وتضيع تلك الاستراتيجية الخارجية التي يمكن ان تعبر عنها الديبلوماسية المصرية المعروفة تقليدياً بوضوح أهدافها.
تجاوزت العلاقات الدولية الحالية مرحلة المحاور، لكن الدول الفاعلة، ومصر تُحسب بينها، تتمسك بهوية ديبلوماسية واضحة، لا تتأثر كثيراً بهوية المحاور.
وبين حالات كثيرة تعرض لها مرسي في جولاته، من جنوب افريقيا الى الصين، ومن طهران الى موسكو، تمكن الاشارة بشكل خاص الى التردد والغموض واحياناً التناقض في الخيارات في الأزمة السورية، مع كل ما تستتبعه من انعكاسات على العلاقات الدولية للقاهرة عموماً.
وكما في القضايا الداخلية، تمكن ملاحظة ان صناعة القرار على المستوى الخارجي انتقلت من مؤسسة الرئاسة المصرية الى المطبخ «الإخواني» الذي، بذريعة التخلص من ارث مبارك، يسعى الى القضاء على التقليد الديبلوماسي المصري، وترسيخ هوية جديدة لمصر.
( المصدر : الحياة اللندنية )
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews