الإنطباعات الأولية لتجربة حماية المستهلك في المصارف

بات معلوماً ان البدء في تطبيق «قوانين» حماية المستهلك في المصارف اللبنانية، جاء نتيجة تقاطع في القناعات المحلية والمطالبات الدولية. وقد تحوّل مفهوم حماية المستهلك الى شرط اساسي لمواصلة التعاون الخارجي مع المصارف المحلية.

وبالتالي، باشر القطاع تطبيق هذا المفهوم، رغم انه سيشكل ضغطا ماليا اضافيا على المصارف التي تعاني في هذه الفترة من ضغوطات متعددة الجوانب، ليس أقلها الوضع الاقتصادي الداخلي المعقد، والاضطرابات الاقليمية التي تنعكس على الداخل، وتراجع اسعار النفط الذي قد يؤثرعلى تدفق الودائع من الدول النفطية.

تُظهر تجربة حماية المستهلك في المصارف حتى الان، ان العملية ستكون شاقة ومكلفة للقطاع، على اعتبار ان المستهلك الذي لم يتدرب على هذا النوع من الثقافة المالية، يحتاج الى مجهود استثنائي لكي يستوعب حقوقه وواجباته في العقد الذي يوقعه مع المصرف، سواء لفتح حساب، او لشراء منتج، او للحصول على قرض...

مع ظهور شكاوى المصارف من ضعف الثقافة المالية لدى المستهلك اللبناني، لا بد من اعادة تسليط الضوء على نتائج دراسة أُنجزها البنك الدولي في العام 2012، لاجراء مسح وطني يقوّم مدى إلمام المواطنين في شؤون ادارة أموالهم ومعارفهم الحسابية وتصرفاتهم، وكذلك مواقفهم حيال ادارة المال العام. وقد تمّ استخدام عينة من 1214 أسرة موزعة على كامل الاراضي اللبنانية، للخروج بنتيجة تحدّد «الشخصية المالية» للبناني.

من خلال نتائج هذه الدراسة يمكن معرفة الخلل الذي تشكو منه المصارف، مع ان البعض يعتبر ان المصارف نفسها مسؤولة جزئيا عن هذا الخلل، لأنها لم تُدخل مفهوم الثقافة المالية منذ البداية في تعاملها مع الزبائن. والبعض منها استخدم اساليب غير مقبولة في تقديم منتجات مبهمة هدفها عدم تمكين المستهلك من معرفة النتائج المالية الحقيقية لشراء هذا المنتج.

كذلك اعتادت بعض المصارف فرض شروطها على الزبون المقترض، بحيث ان المستهلك اصبح في وضع المتلقي السلبي، ويكتفي بالسؤال عن المبلغ الشهري الذي ينبغي عليه دفعه مقابل القرض، ولا يهتم بمناقشة تفاصيل الوصول الى تحديد حجم المبلغ الاجمالي الذي سيدفعه مقابل القرض.

في عودة الى نتائج دراسة البنك الدولي، ورداً على سؤال كيف يختار اللبنانيون ادواتهم المالية، يتبيّن أن 37% من الافراد او الاسر لا يملكون أي منتج مالي. مع الاشارة الى ان المنتج يعني هنا كل اشكال التعاون مع المصرف بما فيها فتح حساب. كما تُبيّن نتائج المسح، ان فتح حسابات التوفير او الحسابات الجارية، يستحوذ على النسبة الاكبر من التعاملات مع المصاف. اذ ان نسبة 47% يتعاملون مع هذين المنتجين المصرفيين.

مقابل 1% فقط يستثمرون في الاسهم والسندات وسندات الخزينة. كذلك هناك 2% فقط يملكون حسابا استثماريا. في حين ان المنتجات المصرفية المرتبطة بقروض استهلاكية وسكنية تستقطب نسبة جيدة. هناك 13% لديهم قروض مصرفية غير عقارية، و21% يملكون بطاقات مصرفية.

كما تظهر الدراسة ان 36% من المستطلعين يختارون المنتج المالي من دون اي استعلام مسبق حول خصائصه. اما في الاسئلة التي هدفت الى معرفة إلمام اللبناني بالشؤون المالية فقد أظهر المسح ان نقطة الضعف الاساسية لدى اللبناني هي في الفائدة المركبة، اذ تبيّن ان 22% فقط من المُستطلعين استطاعوا احتساب الفائدة المركبة. والمقصود هنا ان يعرف المواطن قيمة المبلغ الذي يحصل عليه اذا أودع مبلغا في المصرف، مقابل فائدة ثابتة، على مدى عشر سنوات.

هذه النتائج التي خرجت بها دراسة البنك الدولي، تؤكد الحاجة الى المزيد من التثقيف المالي لصقل «الشخصية المالية» للبناني، ومساعدته على فهم حقوقه وواجباته اكثر في التعاطي مع المصارف، خصوصا ان مفهوم حماية المستهلك الذي بدأ تطبيقه في المصارف، سوف يساعد المواطن على حماية نفسه وحماية مصالحه، برقابة من مصرف لبنان.

والشكوى من الغموض في المنتجات يمكن ان تسلك طريقها القانوني، اذ ان المصرف بات مُلزماً في عملية توقيع العقود مع الزبون، أن يتأكد من ان المستهلك فهم كل تفاصيل المنتج الذي يشتريه، وان يوقع إقرارا، بأنه فهم المنتج. وهنا تبدأ مسؤولية المواطن في عدم التوقيع، او الاعلان الشفهي عن استيعابه مندرجات اي منتج مصرفي قبل التأكد من ذلك.

في هذا الاطار، وبالاضافة الى منع الاعلانات المبهمة او التي تتضمّن التباساً مقصوداً هدفه «غش» المستهلك، فان رقابة حماية المستهلك قد تصل الى حجم المبالغ التي قد يتقاضاها المصرف لقاء الخدمات المصرفية اليومية.

ومن هنا، قد تشهد الفوائد على بعض المنتجات بعض الارتفاع، اذا ما تقرر الاستغناء، على سبيل المثال، عن فائدة الجر. خصوصا ان هذا النوع من الفوائد ممنوع في المفهوم المصرفي العالمي. اذ ان المستهلك يتعرّض لنوع من الغش في تحديد سعر الفوائد التي يدفعها.

واذا حصل زبون، على قرض قيمته 10 الاف دولار، بفائدة جر 10%، على مدى 5 سنوات، فهذا يعني ان عليه اعادة 15 الف دولار في النتيجة. وهذا يعني ان المقترض في السنة الخامسة الاخيرة من مدة التسديد، يدفع فائدة قدرها 50% على المبلغ المتبقي من القرض، لأنه عمليا سدّد 8 آلاف دولار من اصل المبلغ، وينبغي ان يدفع فوائد على الفي دولار، مجموع ما تبقى من أساس القرض.

مفهوم حماية المستهلك سوف يغيّر مع الوقت طريقة التعاطي بين المصرف والمستهلك، لكنه لا يزال في بداية الطريق، وامامه مرحلة من التطوير والتثبيت قبل ان يستقر على مفهوم عالمي مُعتمد، يؤدي الى ضمان حقوق المستهلك في الشؤون المالية، لكنه يأتي في توقيت صعب بلا شك على المصارف، التي عليها ان تتحمّل المزيد من الاكلاف الاضافية من أجل ادارة وتشغيل الاموال.

(المصدر: الجمهورية اللبنانية 2015-03-09)